19 أيار موعد مصير الانتخابات

لم يُعلن حتى الآن أي نتيجة ملموسة للاجتماعات التي يعقدها الرئيس تمام سلام مع قوى 8 و 14 آذار على نحو يعزّز الآمال بتأليف وشيك لحكومته الأولى. لا يبدو أي من الأفرقاء الثلاثة مستعجلاً ولا يفصح عن شروطه، بينما يلتزم رئيس الجمهورية الصمت في انتظار أوان دوره

لا يزال الوقت معقولاً لتبرير تأخير تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بمرور اسبوعين على استشارات التأليف، وقد انتقل عملياً من يدي الرئيس المكلف، ومعه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الى افرقاء 8 و14 آذار على غرار الحكومات الثلاث الأخيرة على الاقل. تترجح جهود التأليف بين الجمود والتحرك البطيء من غير ان يُعلن صراحة بعد ان الرئيسين وشركاءهما في تأليف الحكومة دخلوا فعلاً مخاض التأليف وأفصح الجميع عن حصصهم وحقائبهم. ومن غير ان يبدو ان المواصفات التي طرحها الرئيس المكلف لحكومته افضت الى توافق قوى 8 و14 آذار عليها.
والواضح ان احداً لا يتوهم بوجود دوافع محلية تؤخر التأليف او تستعجله، ولم تكن تلك وراء البطء الذي احاط بتأليف حكومات 2008 و2009 و2011، وعزيت في ذلك الحين الى اسباب اقليمية ارتبطت مباشرة برعاة التكليف والتأليف على السواء. كذلك يواجه الرئيس المكلف هذا الاستحقاق. لكن مرور 20 يوماً على تكليف سلام كان كافياً كي يتبيّن تمييز التوافق عليه رئيساً للحكومة عن التوافق على حكومة لا تكتفي برئيسها، بل ينظمها توازن القوى فيها، ويتحكم بإدارتها نصابها السياسي والقانوني لا رئيسا الجمهورية والحكومة.
وخلافاً للرئيس نجيب ميقاتي الذي كان يستمع طوال 139 يوماً الى شروط حلفائه في الائتلاف الحكومي قبل التأليف واصرارهم على حصصهم وحقائبهم، ويجيب بالرفض او التريّث، ينتظر خلفه اجوبة قوى 8 آذار على المواصفات التي طرحها لحكومته. لم يقل لها انه يوافق على اعطاء حقيبتي الطاقة والمياه والاتصالات لتكتل التغيير والاصلاح، واكتفى بالتعهد بإسنادهما الى وزراء غير استفزازيين للتكتل. طلب منها تسمية مرشحيها على ان يختار هو من بينهم. ارسل اشارات اخرى عندما تمسّك اولا بحكومة تكنوقراط، ثم وافق على حكومة سياسيين لا حزبيين فيها، وفي ذلك اكثر من ايحاء الى عدم رغبته في توزير أعضاء في حزب الله، ومن سواه كذلك. ثم باتت جهود التأليف تتركز الآن على حكومة سياسيين من غير الحزبيين لا تبصر النور الا بموافقة قوى 8 و14.
بالتأكيد، ثمة قواسم مشتركة بين الرئيس المكلف وهذين الطرفين على حكومة انتخابات وزراؤها غير مرشحين، غير فضفاضة وعلى إجراء مداورة بين الحقائب. إلا أن أياً من هذه لا تؤول بالضرورة الى تأليف الحكومة الجديدة بمعزل عن المعطيات الإقليمية، واخصها ما يجري في سوريا منذ اسبوعين.
بعيد تكليف سلام مطلع هذا الشهر، أطل السفير السعودي علي عواض العسيري عبر قناة «المنار» التابعة لحزب الله في التفاتة نادرة تزامنت مع مبادرة مشابهة بدلالتها عبّر عنها السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي بعد مقابلته الرئيس المكلف في المصيطبة عندما دعا الى حياد لبنان، في اول موقف ايراني رسمي من «إعلان بعبدا». حتى ذلك الوقت، منذ حزيران 2012، ظلت طهران وحدها خارج سياق تأييده بعدما رحب به رسمياً مجلس الامن والاتحاد الاوروبي ثم دوله فرادى والجامعة العربية، وبدت انها غير معنية بسبب موقفها ـــ وحزب الله ـــ من استمرار نظام الرئيس بشار الاسد في سوريا.
عكس الموقف الجديد للجمهورية الاسلامية اشارات ايجابية تزامنت مع تلك المماثلة التي اطلقتها السعودية في وجهة دعم تأليف الحكومة الجديدة بعد ترحيب استثنائي بتكليف سلام. مع ذلك لم تحرز الاشارات تلك تقدماً ملموساً في مسار التأليف، ولم تفصح صراحة عن تفاهم الرياض وطهران على تحييد جدي للبنان وضمان استقراره بعيداً من احداث سوريا في ظلّ علامتين سلبيتين: أولى استمرارهما في خوض مواجهة ضارية في سوريا تتمحور حول مصير نظام الاسد، وثانية تواصل المناقشات بين دول الخليج العربي سعياً الى ادراج حزب الله على لائحة الارهاب.
الا ان الابواب لا تبدو فعلاً موصدة في طريق تأليف الحكومة تبعاً لبضع ملاحظات:
1 ـــ حرص السفير السعودي على اشاعة مناخات ايجابية حيال التأليف اكده اخيراً لمسؤولين رسميين في لقاء اجتماعي عندما ابرَزَ انطباعات ثلاثة: اولها انه غير متشائم من تعثر جهود الرئيس المكلف في التأليف. ثانيها انه لا يزال يرى ان المجال متاح لاتفاق الافرقاء المعنيين. ثالثها ارتياحه الى استمرار الاتصالات بين سلام وقوى 8 آذار وتنشيطها في اليومين المنصرمين على نحو حمل العسيري على القول إن استمرار الاتصالات والحوار يسقط وهم وجود جدار بين الطرفين ويجعل التباين وبعض العقبات أمراً غير أساسي.
2 ـــ مقاربة ما يجري في سوريا، وتحديداً المعركة الوشيكة في القصير بعد تقدم الجيش السوري في ريفها، على انه ناخب فعلي في تحديد موازين القوى اللبنانية التي ينظر اليها فريقا 8 و14 آذار على انها المحطة التالية في نزاعهما الداخلي. بل يذهب البعض المؤثر في قوى 8 آذار الى القول ان تمكن الاسد من حسم معركة القصير قبل 19 ايار المقبل ـــ وهو الموعد الذي يرتبط بتحديد مصير انتخابات 2013 ـــ يضع الاشتباك السياسي بين فريقي 8 و14 آذار في واجهة مرحلة جديدة تماماً.
لم تعد القصير، وفق بعض المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء، الا مخبأ المعارضين المسلحين، ولا سيما السلفيون بعدما هجرها الجزء الأكبر من سكانها، ولا يتوقع الجيش السوري من قبضة حصاره على المدينة خروج أحياء منها على نحو المعركة الضارية التي خاضها في بابا عمرو في حمص قبل اكثر من سنة، من اجل ان يشق طريقاً آمنة للنظام الى حمص ويغلق نهائياً منافذ اتصال المعارضة المسلحة بلبنان. اوصد الجيش السوري المعبر الاول وهو يتأهب للسيطرة على المعبر الثاني الذي يصل ريف القصير بعرسال من اجل ان يسيطر تماماً على الحدود الشرقية اللبنانية ـــ السورية. ويكمن هنا الدور العسكري الذي يضطلع به حزب الله لإيصاد ملاذ المعارضة المسلحة السورية مع هذا الجانب من الحدود.
3 ـــ يتمسّك الأفرقاء اللبنانيون بربط الحسابات السياسية الداخلية بمسار الحرب في سوريا. منذ انفجارها قبل اكثر من سنتين يسيطر التقلّب على الصراع الدامي بين نظام الأسد ومعارضيه. عندما يتقدّم جيشه في مدن وبلدات يتدفق السلاح والمال على معارضيه، وعندما يتقدم المعارضون في مرحلة تالية ويوحون بأن النظام يوشك على الانهيار يُحجَب عنهم الدعم العسكري، ما يتيح قلب الادوار وتقدّم الاسد مجدداً، في لعبة متجاذبة تتوخى انهاك الطرفين قبل دفعهما في الوقت المناسب الى طاولة تسوية سياسية لا تزال مؤجلة.
على نحو كهذا، انتقل التقلب والتجاذب الى لبنان كصورة مكمّلة لموازين القوى في الداخل السوري لا تتعدى في بعض المعارك العسكرية انتصارات صغيرة على الارض لبضعة كيلومترات يحرزها هذا الفريق هناك او ذاك من غير ان يسعه حسم النزاع تماماً. استقرت سيطرة المعارضة السورية على الاطراف والصحراء السورية واريافها شرقاً وجزء من حلب وريفها في الشمال، في مقابل سيطرة الاسد على وسط البلاد من دمشق الى حمص وحماه الى جزء من حلب وريفها وربط القلب بالساحل الغربي.

السابق
عن حقول الغاز: التراخي يكاد يحول المساحة المتنازع عليها لمساحة منسية
التالي
حظر المواقع الإباحية بالأماكن العامة