هل يلهب جهاد السلفيين لبنان ؟

مع المتغيرات الميدانية الجذرية في منطقة الحدود اللبنانية- السورية الشمالية الشرقية ، و بعد ان تمكن الجيش العربي السوري مؤازرا بجيش الدفاع الوطني و اللجان الشعبية ، تمكن من تطهير القرى الواقعة بين نهر العاصي شرقا و خط الحدود غرباً ، تطهيرها من مسلحي جبهة النصرة و ما يسمى "جيش سوري حر" ، و اعادة المنطقة الى كنف الامن الشرعي السوري (باستثناء مدينة القصير ذاتها التي باتت محاصرة بشكل محكم و تتحضر القوى الشرعية لدخولها في الايام المقبلة ) مع هذه المتغيرات خرجت اصوات في لبنان تدعو الى "الجهاد لنصرة اهل السنة " في سورية و تدعو حزب الله للتوقف عن القتال في سورية الى جانب النظام فيها ، دعوة جاءت في ظرف لبناني دقيق حملت البعض على التخوف من اندلاع فتنة تقود الى حرب اهلية لبنانية بين السنة الذين من بعضهم انطلقت الدعوة الى الجهاد ، و الشيعة الذين يشكل حزب الله جزءا واسعا منهم، فهل ان هذا التخوف في محله و هل ان لبنان بات على عتبة منطقة الحريق العربي ؟ و هل ان نار ذاك الحريق باتت جاهزة لالتهام الجسد اللبناني كما حصل في بلدان عربية اخرى ؟

بداية لا بد من ضبط المصطلحات الشرعية ، فالقول ب"الجهاد" كما صدر عن عناصر من سنة لبنان هو في غير محله الشرعي ، فالجهاد لا يكون بحسب الشرع الاسلامي الا قتالا لحماية الاسلام و في سبيل الله او حماية المسلم في عقيدته و ماله ان كان عرضة للانتهاك بحكم كونه مسلما ، الامر غير المتحقق في الحال المعروض و هذا ما اكد عليه علماء السنة حتى و من السلفيين انفسهم حيث صدرت فتاوى من شيوخ وهابيين في السعودية تؤكد بان القتال في سورية ليس جهادا و القتيل ليس شهيدا و الامر نفسه تكرر على لسان مفتي الديار التونسية الذي اعتبر القتال في سورية منافياً للجهاد و ان من يموت في المواجهة يكون قتيلاً و لا يكون شهيدا . و بالتالي فان الحكم الشرعي يتنافي مع الدعوة و لا يجيزها ، لانها تكون دعوة للاقتتال والقتل و ليست دعوة لجهاد في سبيل الله .

و بعد هذا نعود الى الموضوع من الناحية العسكرية و السياسية لمناقشة احتمال وقوع الفتنة و اندلاع الحرب الاهلية في الداخل اللبناني ونرى مبدياً ان من مصلحة اميركا و اسرائيل و بشكل مؤكد ان تقع مواجهة بين حزب الله و مكونات لبنانية اخرى مواجهة تفرض على حزب الله الدفاع عن نفسه و تحمله على تخصيص جزء من قدراته العسكرية في سبيل تلك العملية الدفاعية ، ثم اطالة الحرب حتى تتأكل قدرات المقاومة في الداخل و عندها تفتح الطريق امام اسرائيل للقيام بحرب تكون غايتها الانتقام لهزيمة 2006 و تعويض ما فاتها تحقيقه يومها من " اجتثاث المقاومة " تمهيدا لاقامة الشرق الاوسط الاميركي الجديد. نعم ان الحرب على حزب الله في الداخل هي مطلب اسرائيلي و هي شرط كما قال استراتيجيو اسرائيل لقيام اسرائيل بشن الحرب على لبنان للانتهاء من مقاومته و للتمكن من تصفية القضية الفلسطنية . و اذا عدنا الى الارتباط بين الجماعات المسلحة في سورية و حاضنتهم الاقليمية مع الجهات الاسرائيلية و الاميركية فاننا و بموضوعية نرى بان الحرب الداخلية هي خطر جدي لا بد من التفكير بامكانية و قوعه لانه حاجة اسرائيلية و هذه الجماعات تعمل كما بات واضحاً خدمة للمصلحة الغربية و باملاءات غربية .و لكن على المقلب الاخر يكون من الضروري مناقشة الامر من الوجهة العسكرية ، وهنا تجب دراسة الواقع و خريطة التوزع الجغرافي و الميداني و القدرات العسكرية للفرقاء الذين يرشحون للدخول في المواجهة ، درس يتم بحثا عن امكانية توفر الشروط التي لا بد منها للبدء بالمواجهة ، ثم استمرار النار اذا وقعت الفتنة و اندلعت الحرب الداخلية و هنا نتوقف عند العناصر التالية :

1) عدم توفر التوازن بين القوى المرشحة للدخول في المواجهة ، و الكل يعرف قدرات حزب الله العسكرية و مدى احترافه و ارتفاع مستواه العسكري ، ما يجعل الاحتكاك به مكلفا و ما يجعل امكانية حسم الحزب للمواجهة سريعة كما و لا نغفل عن قدرته على اغلاق مناطقه و منع وصول االنار المباشرة اليها ، و العمل خارجها لمعالجة التهديد.

2) رفض البيئة السنية في معظمها لفكرة الحرب اصلا و بالتالي امتناعها عن تشكيل الحاضنة الشعبية لهذه الدعوات ، خاصة و ان العقلاء فيهم يعرفون ان مثل هذه الحرب غير مأمونة النتائج حيث تعرف بدايتها و لكن لا يمكن ان يحدد احد حجم الخسائر السياسية و المادية و الاجتماعية التي تنزلها و بمن ستلحق و سيكون من الخاسرين .

3) قدرات الجيش اللبناني بشكل خاص و القوى الامنية اللبنانية عامة ، و القرار المتخذ من قبل قيادة االجيش للمحافظة على السلم الاهلي بعيدا عن التجاذبات السياسية خاصة و ان في مقدور الجيش ان يتصدى لدعاة الفتنة و يشكل حاجزا بينهم و بين الجهات اللبنانية المستهدفة بالفتنة ما يحول دون اقامة خطوط تماس و اشعالها بين تلك الفئات المهاجمة و الجهات المدافعة .

4) هواجس المنظومة الغربية و توابعها الاقليمين بقيادة الولايات المتحدة و مخاوفهم من حرب تندلع شرارتها في لبنان و يكون عجز عن ابقائها محصورة في حدوده خاصة اذا تطور الموقف و دخلت ايران على خط المواجهة و اختارت اهدافا لها في مناطق تنتشر فيها المصالح الغربية في الخليج بشكل خاص .

لهذه الاسباب نقول بان الفتنة في لبنان لا زالت ذات حظوظ متواضعة و منخفضة رغم الصراخ و التوتر الذي يتسم به سلوك الفئات الحاضنة للجماعات الارهابية و المسلحين في سورية ، نقول بتدني فرص الانفجار حتى الان و لا نقول بانعدامها لاننا لا يمكن ان نستبعد من التقدير انزلاق من لا يملك فكرا رؤيويا استراتيجيا ، او من كان اصلا اداة تستعمل في سياق الحرب الناعمة التي تضرب نيرانها المنطقة ، انزلاقه لاشعال الفتنة و زج لبنان في اتون الحريق العربي .

لذلك وجب الحرص و الحذر من جهالة او عمالة هؤلاء لمنعهم من جريمتهم ، و ان لم يكن قدرة على المنع فعلى الاقل يجب اتخاذ التدابير التي تمنع من توسع دائرة النار ان اندلعت و اطفاء النار باسرع ما يمكن فالمسألة لا تحتمل التسويف كما لا تحتمل الحسابات و الرهانات الخاطئة ، لان لبنان بعد الفتنة لن يكون كما قبلها في واقعه و جغرافيته و نظامه السياسي ، ففتنة تقع اليوم في ظل مجريات الحريق العربي ستعود و تطرح المصير اللبناني و تعيدنا الى ما قبل العام 1920 .

السابق
الصراع في سوريا وخطوطه الحمراء
التالي
الخطيب مخاطباً “ضمير” نصر الله