كرة اللهب تتدحرج في العراق

الكلمة الاكثر رواجا هذه الايام في العراق هي التحذير من ‘الفتنة’ واخطارها المدمرة على البلد واهله، لكن التحذير شيء وما يجري على الارض شيء آخر، اي تطبيق كامل لها يأخذ منحى تصاعديا.
اقتحام اعتصام سلمي لمعارضي السيد نوري المالكي رئيس الوزراء من قبل قوات الامن في ‘الحويجة’ ومحاولة تفريقه بالقوة، واطلاق النار على المعتصمين وقتل واصابة العشرات منهم كان الشرارة الاكثر اشعالا لنار الفتنة التي كانت تتقد تحت الرماد.
بالامس تواصلت الاشتباكات الطائفية في العراق واسفرت عن مقتل 125 شخصا واصابة 268 آخرين، وعادت السيارات المفخخة الى العاصمة بغداد حيث انفجرت احداها وقتلت ثمانية اشخاص واصابت 23 آخرين.
حكومة السيد المالكي ارتكبت مجزرة في المدينة ضد معتصمين سلميين يرفعون شعارات سياسية، فالاعتصام السلمي من المفترض ان يكون حقا مشروعا في العراق الديمقراطي بغض النظر عن الهوية الطائفية لاصحابه.
كان من المفترض ان يكون العلاج لهذا الاعتصام هو الحوار، لو صدقت النوايا، والتجاوب مع المطالب المشروعة للمعتصمين في الافراج عن المعتقلين والمخطوفين وتخلي الحكومة عن توجهاتها الطائفية، ولكن صدر السيد المالكي ضاق امام هذه المطالب، ومن اطالة مدة الاعتصام فقرر اللجوء الى الحلول الامنية لانهائه غير مقدر للعواقب التي يمكن ان تترتب على هذه الخطوة في بلد يتضخم فيه الاحتقان الطائفي.
الحديث عن الماضي القريب، والجدل حول الاسباب التي ادت الى اعمال القتل والعنف الطائفي، وتبادل الاتهامات في هذا الصدد لا يساعد على حل المشكلة وانما يزيد من اشتعال نار الفتنة، ولهذا لا بد من النظر الى المستقبل القريب من حيث العمل بسرعة على تهدئة الاوضاع، والترفع على النزعات الانتقامية والثأرية، والبحث عن حلول جذرية ومنصفة.
ومن هنا فان اعلان رئيسي الوقفين السني عبد الغفور السامرائي، والشيعي صالح الحيدري عن قيامهما بتحرك سريع لاطفاء نار الفتنة، ودعوة قادة العراق للقاء في احد مساجد بغداد يوم الجمعة المقبل لبحث الازمات السياسية المتراكمة منذ الانسحاب الامريكي هو احد الحلول في هذا المضمار.
المسؤول الاكبر عن هذه الازمات وتفرعاتها هو السيد المالكي رئيس الوزراء باعتباره رأس الدولة لاتباعه سياسات ادت وتؤدي الى تهميش قطاع عريض من الشعب العراقي، وتركيز كل الصلاحيات في يديه والمجموعة المحيطة به.
العملية السياسية في العراق مجمدة كليا، ومعظم الوزراء السنة استقالوا من الحكومة احتجاجا على هذه الممارسات الديكتاتورية التي زادت من الاحتقان الطائفي، وبددت آمال التعايش والمصالحة الوطنية بالتالي.
الدعوات للثأر والانتقام التي تصدر هنا وهناك لن تحل الازمة، بل ستوسع دائرة القتل والعنف ايا كان مصدرها، وما يريده العراق حقيقة هو الحوار المسؤول والا فان مجازر عامي 2006 و2007 ستعود الى المشهد العراقي مجددا، الامر الذي سيؤدي الى تدمير ما تبقى من البلد، وترميل ما تبقى من نساء العراق.
السيد المالكي يجب ان يعترف باخطائه، وان يراجع سياساته التي ادت الى انحدار العراق الى دوامة العنف والقتل هذه، من خلال التخلي عن العناد، والاعتقاد بان الاستخدام المفرط للقوة يمكن ان يحقق له السيطرة على العراق.

السابق
المدينة عالقة في عدساتهم
التالي
سلاف: موقفي لم يؤثر في الجمهور