حاربوا ونحن ننفق

مر شهر منذ حاول الرئيس براك اوباما ربط حبال التحريك لبدء التفاوض في شروط التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد نجح وزير خارجيته جون كيري في جمع كامل النقاط في برنامج الرحالة الدائم والتي ستجعله يحظى برحلة مجانية الى المنطقة، أي ‘رحلة غير طائلة’. وفي هذه الاثناء كنست عاصفة صفقة السلاح الضخمة فتات مبادرة السلام، وعادت اسرائيل تشعر بأنها في أمن لأن التهديدات والأخطار هي ملعبها المنزلي. وبقي فقط ان تجتاز السنتين التاليتين اللتين عرفهما كيري بأنهما نافذة الفرص، ويمكن في الاثناء ان تعود الى رتابة حياتها، رتابة ايران.
إن التوقع المتأهب هو لانتخابات الرئاسة في ايران التي ستُجرى في حزيران. آنذاك ايضا ستنتهي المهلة التي أعطاها اوباما وبنيامين نتنياهو لبرنامج ايران الذري. وقد حصلت اسرائيل احتفاءً بهذا الموعد الاحتفالي على هدية مفرحة من لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي. ‘اذا اضطرت اسرائيل الى تنفيذ عملية عسكرية للدفاع المشروع عن نفسها في مواجهة البرنامج الذري الايراني فعلى الولايات المتحدة ان تقف الى جانب اسرائيل وان تهب لها دعما دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا في الوقت الذي تحمي فيه ارضها ومواطنيها ووجودها’، كما جاء في القرار رقم 65 عن لجنة الخارجية.
لم يجُز القرار الى الآن في مجلس الشيوخ، ويجب كي يُقبل بشكل قانوني ان يجوز في مجلس النواب، لكن روح الكلام بينة. إن هجوما اسرائيليا على ايران يشبه هجوما امريكيا وستُستعبد الولايات المتحدة وجيشها وخزانتها للقرار الاسرائيلي. ولا يلزم اسرائيل بحسب القرار ان تنسق مع الولايات المتحدة في الهجوم أو ان تحصل منها على الموافقة. واذا تم قبول القرار في مجلس النواب فلن يكون للرئيس الامريكي حتى الحق في منع هجوم اسرائيلي أو التحلل من التدخل في هذه الحرب، وستكون هذه أول مرة يهز فيها الذيل الكلب، وتعامل التابعة المتبوعة بحسب القانون لا عن عمى أو حماقة. فهل يوجد التزام لأمن اسرائيل أكبر من هذا؟.
بيد انه يوجد جانب تهديدي لقرار لجنة الخارجية ايضا، فهو يقوي الانطباع الذي أرادت اسرائيل التهرب منه وهو ان ايران احتكار اسرائيلي لا تهديد عالمي. وتطمح اسرائيل الى أنه اذا تقرر الهجوم على ايران أن تكون الولايات المتحدة أو ربما الدول الغربية هي التي تتخذ القرار. وتريد اسرائيل ان تبقى في موقف المستحثة التي تغرس مهمازها في ضلوع القوى الكبرى وتهدد فقط بأن تعمل وحدها. وتدفن لجنة مجلس الشيوخ هذا الطموح. هل تريدون الهجوم على ايران؟ تفضلوا. إن الولايات المتحدة ستدفع فقط ثمن البطاقات وتُقدم السيوف الى المصارعين أما اسرائيل فتهاجم. واذا اتخذ القرار في مجلس النواب الامريكي فلن تضطر اسرائيل بعد الآن الى ان تخشى ما ستقوله الولايات المتحدة بل ستكون حرة في ان تقرر الوقت والمكان.
إن حرية القرار هذه هي سيف ذو حدين لأنها تلقي على اسرائيل مسؤولية مضاعفة الاولى عن أمنها والثانية نحو الولايات المتحدة بألا تُشركها في حرب لم تبادر هي اليها. لأن الهجوم على ايران لا يشبه عمليات عسكرية مثل ‘الرصاص المصبوب’ أو ‘عمود السحاب’ بل لا يشبه حرب لبنان. وفي كل واحدة منها بذلت الولايات المتحدة دعما دبلوماسيا لكنها لم تحتج الى تدخل عسكري، أما الهجوم الاسرائيلي على ايران فقد يتدهور فورا الى حرب اقليمية بل الى حرب بين القوى الكبرى. إن الولايات المتحدة تؤكد حقا ان جميع الخيارات على الطاولة لكنها لا تقصد ان تكون اسرائيل هي التي تقرر لها متى تستعمل الخيار العسكري.
تستطيع اسرائيل في ظاهر الامر ان تكون راضية لأنها تستطيع ان تفرض حربا على الولايات المتحدة لكنها قد تجد نفسها في اليوم التالي من غير الجمهور الامريكي الذي تحرر قبل سنتين فقط من العراق وسيتخلص في السنة القادمة من افغانستان، ويُدفع فجأة الى حرب بادرت اليها اسرائيل من اجله.

السابق
موسى: التواصل الثنائي حل مكان لجنة التواصل النيابية
التالي
الابتزاز المكشوف