ثلاثة أثلاث تلزم بالتوافق

يلاقي انفتاح الرئيس المكلّف تمّام سلام على مختلف القوى السياسية للتشاور معها في التشكيلة الوزارية العتيدة حجماً ومواصفات ترحيباً كبيراً في مختلف الأوساط ولدى جميع المتابعين للاستحقاق الحكومي والذين وجدوا في هذا الانفتاح تعبيراً عن واقعية سياسية يتحلّى بها الرجُل، وتفرضها المرحلة التي توجب أن تكون للبلاد حكومة فاعلة.

ويقول قطب سياسيّ إنّ الاتفاق على أن تكون الحكومة مؤلّفة من 24 وزيراً، فتح الآفاق أمام سلام لتحديد الأحجام التمثيلية في الحكومة العتيدة التي هي الآن موضع بحث في اللقاءات المتلاحقة التي يعقدها مع ممثلي مختلف القوى السياسية في ضوء أحجامها في المجلس النيابي.

ويشير هذا القطب الى أنّ الفصل بين تأليف الحكومة وقانون الانتخاب هو أمر أساسيّ، إذ لا يجوز الربط بين هاتين المسألتين، لأنّ عدم الاتفاق على قانون الانتخاب العتيد حتى الآن لا ينبغي ان يمنع تأليف الحكومة، إذ لا يمكن ترك البلاد بلا حكومة مهما كلّف الامر، وهذه الحكومة بات متّفقاً على أن تكون حكومة سياسية بامتياز، وحسناً فعل الرئيس المكلف، وهو سياسيّ إبن بيت سياسيّ عريق، في أنّه تفهّم أهمّية أن تضمّ الحكومة سياسيين يمثلون كلّ ألوان الطيف السياسي اللبناني، لأنّ المرحلة التي تمرّ بها البلاد والمنطقة هي مرحلة دقيقة وحسّاسة تفرض ان تتحمّل المسؤولية فيها حكومة سياسية.

ويرى القطب نفسه أنّه بمجرّد الاتفاق على الأحجام التمثيلية في الحكومة بتحديد حصّة الأفرقاء فيها من المقاعد الوزارية، يصبح موضوع تحديد أسماء "أصحاب المعالي" الجدُد غير ذي أهمّية، بحيث يتمّ الانتقال عندها إلى البحث في مضمون البيان الوزاري، خصوصاً لجهة ما سيتضمّنه من نصوص تتعلّق بثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" وغيرها، إذ يمكن أن يطول البحث حتى يأتي مضمون هذا البيان متلائماً مع طبيعة المرحلة.

ويضيف القطب في هذا السياق أنّ سلام أصاب عندما قال إنّه يرغب في ولادة حكومته بسرعة ولكن من دون تسرّع، وهو بذلك عبّر أيضاً عن واقعية سياسية، تماماً كما عبّر عن هذه الواقعية بانفتاحه على القوى السياسية وتشاوره معها في طبيعة الحكومة ومواصفاتها والأحجام التمثيلية فيها.

وإلى ذلك يقول أحد السياسيين إنّ الوضع الداخلي يؤثّر دائماً في تأليف الحكومات لكنّه ليس معزولاً عمّا يجري في المنطقة، فالحكومة العتيدة سيكون أمامها تحدّيات كثيرة في هذا الصدد، لعلّ أهمّها مواجهة تداعيات الوضع الإقليمي بما يضمن الاستقرار الداخلي ومنع هذه التداعيات من التأثير عليه، بغضّ النظر عن تدخّل هذا الفريق أو ذاك داخليّاً وخارجيّاً في الأزمة السورية.

ويرى هذا السياسي أنّ البعض كان ولا يزال يربط تأليف الحكومة بقانون الانتخاب، انطلاقاً من الأهمّية التي يكتسبها هذا القانون، ويقول إنّ الاتفاق على هذا القانون سريعاً من شأنه تذليل كثير من العقبات التي يمكن ان تعترض الولادة الحكومية، بمعنى أنّ القانون سيفرض إجراء الانتخابات في أقرب وقت، وبعد أن بات إجراؤها مستحيلاً في التاسع من حزيران المقبل، فقد بات من المرجّح أن إجراءَها في أواخر أيلول أو مطلع تشرين الأوّل المقبلين.

وعندما يقرّ القانون يمكن القول عندها إنّ الحكومة العتيدة هي حكومة انتخابات فعليّاً، فينصرف الأفرقاء السياسيّون عندئذ إلى التحضير لخوض معاركهم الانتخابية من دون أن يناقشوا سلام طويلاً في حصص وأسماء وحقائب وأكثرية مقرّرة أو "ثلث معطّل" أو ما شابه، طالما إنّ عمر الحكومة سيكون حدّه موعد الانتخابات لترحل بعد ذلك، و تؤلّف حكومة جديدة في ضوء نتائج الانتخابات والتي ستحدّد من سيفوز بالأكثرية النيابية في المجلس الجديد.

غير أنّ سلام الذي لا يحبّذ الربط بين تأليف الحكومة وقانون الانتخاب، يرغب في أن لا يملك أيّ من فريقي 8 و14 آذار، أيّ كتلة وزارية تُقرّر أو تُعطّل بمعزل عن الإجماع والتوافق الذي يمكن تأمينه من كتلة وزارية وسطية يخطب الفريقان الآذاريّان ودَّها دوماً، ويقال إنّه يطرح صيغة "الثلاثة أثلاث" لحكومة مؤلّفة من 24 وزيراً لأنّها تُلزم الجميع بالتوافق بدل التنازع داخل مجلس الوزراء، ويراهن على أن يقبل بها الجميع، خصوصاً إذا تقدّم البحث في قانون الانتخاب العتيد من الآن وحتى موعد انتهاء مهلة تعليق مهل الترشيح للإنتخابات في 19 أيّار المقبل.

في أيّ حال فإنّ الردود التي سيتلقّاها سلام من الأفرقاء السياسيين في الأيام القليلة المقبلة على طروحاته في شأن التشكيلة الوزارية، بعد أن يكون استكمل مشاوراته معهم، ستحدّد ما إذا كانت الولادة الحكومية قد اقتربت أو أنّها ستستدعي جولة جديدة من المشاورات مع هؤلاء الأفرقاء.

السابق
المغررون أخطر من المفجرين!
التالي
جدل في الرشيدية بسبب اقتراح تعيين مسؤول شارك بأحداث البارد