المدينة عالقة في عدساتهم

ليس سهلاً أن تكون "مصوّر شارع". هذا يعني أن تحمل كاميرا وجسداً وعينين وتتجه بها إلى أي نقطة وتبدأ. عليك أن ترى وتسجّل. كبسة واحدة وستحفظ في آلتك مشهداً من المدينة. وهكذا تباعاً، ستحمل معك أشياء تغيب تدريجاً.
ما هو أكثر تشجيعاً، هو تزاحمك مع أكثر من شخص على لقطة واحدة. "مصوّر شارع" ضمن مجموعة منظمة وواضحة. أكثر من شخص، من هواة التصوير، يلتقون ويتجهون نحو نقطة جغرافية واحدة. كلّ السعي يصبّ في اتجاه التقاط حركة وعمران وطبيعة ما يجري فوق هذه البقعة. ولكلّ عينه وعدسته، إذاً لكلّ زاويته. ضمن هذه المجموعات يجب غضّ النظر، وعدم الاكتراث لتقاسم المشهد. حتماً لن تأتي النتائج متشابهة.
خرجت مجموعة "مصورو شوارع بيروت"، بعد تجربتها، بخلاصة مشابهة. يواجهون على الدوام إشكاليّة التقاط المشهد الواحد من أكثر من شخص. قد يكون تشابها في الأذواق أو مجرّد صدفة أو انتقاء مشتركا للحظة مناسبة. لكن في نهاية الجولة، يتولى القيّمون على المجموعة، انتقاء الصور الأفضل من إجمالي الإنتاج لعرضها. وهنا يظهر أن المشهد الواحد يحمل أكثر من مشهديّة، وتختلف زاوية النظر إليه.
تحكم مجموعة "مصورو شوارع بيروت" همّة عالية في العمل. يستمدّون الكثير من النشاط من لكونهم أوّل مجموعة افتتحت عمليّة "تصوير الشارع".
في كلّ أسبوع يتمّ تحديد قضية أو فكرة للعمل عليها. في إحدى المرات احتلّ عنوان "الأرقام في الشارع" خانة "قضية الأسبوع". نزل الشباب إلى الشوارع لالتقاط صورهم. والنتيجة صور كثيرة انتقت المجموعة منها لصفحتها على "فايسبوك" تسع صور فقط. تنويعٌ هائل في اللقطات. كلٌّ وجد رقماً يجسّد نظرته من وفي الشارع. دانيا بدير صوّرت "بسطة" تحمل كيساً لربطات شعر "بنّاتية" مكتوب عليها 1500 وإلى جانبها لافتة مكتوب عليها "أي سبحة 1000 فقط" و"تلزيق السريع نانا الأصلي 750".
روي سعادة وجد أمراً مختلفاً ولافتاً. استغلّ آثار الطيران الإسرائيلي في السماء ليشبكها مع أسلاك العواميد الكهربائية، ليخلق هذا الترابط الرقم "أربعة". لا تكتفي الصفحة بوضع الصورة على "فايسبوك". بل تذيّلها بتعليق تقييمي واضح. أسفل صورة روي عبارة: "الأربعة الرائعة".

"بداية BSP"

لم تعد علاقة الناس مع الكاميرا غريبة. اعتاد الجميع على رؤية أشخاص يحملون كاميرات احترافية ويجوبون الشوارع. في كلّ لحظة قد يظهر مصوّر جديد في الطريق. لن يكترث أحد لوجوده أو يتوقّف أمامه لمعرفة حقيقة ما يتمّ تصويره. بات العمل هواية واضحة المعالم، لهذا لم تعد مستغربةً.
هكذا تماماً تطوّرت علاقة مجموعة "Beirut Street Photographers" بالناس. بدأت المجموعة نشاطها عام 2010. انتهت ورشة عمل حول "تصوير الشارع"، شارك فيها العديد من الأعضاء المنظمين للمجموعة، وبناءً عليها قرروا تأسيس مجموعتهم.
قبل تشكّل نواتهم التأسيسية لم يكن يوجد أي أثر لكادر يعمل على تصوير الشارع. كان كلّ شيء عبارة عن حالات فردية تتحرّك دون تنظيم.
بحثاً عن مبادرات مشابهة في سنوات مضت كانت النتيجة صفرا. في السبعينيات خلال سنوات الحرب الأهلية، صبّ التصوير في مهمة واحدة: التقاط مشاهد الحرب. واشتهر مصورو تلك المرحلة بتشكيلهم مجموعات مع كل مهمة تصويرية، تحسّباً لإصابة أحدهم.
المصور الفوتوغرافي ومدرّس التصوير في معهد الفنون الجميلة صالح الرفاعي، يستبعد وجود أي نواة لمشاريع كهذه قبل عام 2000. يصرّ الرفاعي على أن حقبة التسعينيات شهدت طفرةً في ممارسة التصوير، حيث بدأت الناس تلاحظ وجود كاميرات في الشوارع، لكن جميعها صبّت في إطار العمل الفرديّ.
لهذا كانت المجموعة بأعضائها الستة السبّاقة بخلق ما يُسمى "مصورو الشوارع" لبنانيّاً وبطريقة منظمة.
مسؤولة المجموعة لورين عطوي، بادرت إلى طرح الفكرة على زملائها، وأسّست صفحة على "فايسبوك" للمصورين المهتمين.
من هنا انطلقت البادرة الأولى للتواصل وتبادل الآراء وتشارك الصور والتعرّف الى مفهوم "تصوير الشارع". وبدأ تنظيم الرحلات التصويرية. هذا العام تدخل المجموعة سنتها الثالثة.
اليوم يلامس عدد أعضاء صفحتهم على "فايسبوك" سبعة آلاف عضو. عملية اختيار الصورة الأسبوعية، بعد تحديد القضية يجري من قبل المجموعة المؤسسة. هنا تتداخل المعايير التي يجري على أساسها الانتقاء، ما بين الجمالية والتطابق مع معايير تصوير الشارع واللقطة.
هدفٌ أساسيّ يرسم الخطّ الجامع العام، وهو تصوير الشارع بكل حالاته وتفاصيله العمرانية والبشرية. وهذا يفتح الباب على عمل توثيقيّ للمدينة وذاكرتها بشوارعها وأشخاصها، بأشكالهم الهائلة التنوّع.

السابق
تجاذب سياسي
التالي
كرة اللهب تتدحرج في العراق