النوادي الرياضية.. للتمرين أحياناً

في ردهة استقبال أحد النوادي الرياضية، فتاة حسناء ترسم على وجهها ابتسامة دائمة. الغافلون بمتطلبات المهنة قد يظنون أن فرحها الدائم هو احدى ايجابيات النادي التي لا تنتهي. الخطوة الأولى أنجزت: أثار النادي، أو الصبية، اهتمام الزائر. خطوة الإغراء الرقم اثنان تتجلى بجسم الصبية الممشوق، والتأثير يطال الجنسين.
التسجيل في هذا النادي سيمكّنك إن كنت شاباً من جذب انتباه الصبايا، وصاحبة الابتسامة الدائمة هي الفريسة الأولى. أمّا في حالة الصبايا الراغبات بالانضمام، فجسم موظفة الاستقبال دليل واضح على مفعول النادي.
الخطوة النهائية تتمثل بدفع مبلغ الاشتراك. لا مكان للتراجع بعد الآن. المصيبة وقعت. يتراوح مبلغ الاشتراك في النوادي الرياضية الفخمة بين 150 و300 دولار شهرياً. المبلغ المرتفع له مبرراته، وأهمها الامتيازات الرياضية التي يقدمها النادي، بدءاً بصفوف التمرين الخاصة، وصفوف الرقص، والآلات الحديثة، وصولاً إلى وسائل الاستجمام التي يوفرها بعد الانتهاء من التمرين.
ومع ارتفاع المبلغ ترتفع الطبقة الاجتماعية و"نوعية" الأشخاص المنتسبين، باستثناء الضحايا الذين يقعون في شرك الإغراء في الزيارة الأولى. محمد كان نموذجاً عن هذه المجموعة، فالشاب الذي واظب على التمرّن في "ناد متواضع" في منطقة الملا، تبلغ كلفة الاشتراك فيه 50 ألف ليرة، أغرته فكرة الاشتراك في ناد رياضي من فئة النجوم الكثيرة. لا يختصر "أبو عضل"، مدربه السابق، المشهد الوحيد فيه. كان من المستبعد أن يستقطب نادي أبو عضل، أي عنصر نسائي. "بتتخيل تسأل شي بنت وين بتتمرني وتقلك عند أبو عضل؟ مش زابطة". يعترف محمد بأن مدربه السابق "زبطلي جسمي، بس ما زبطلي مزاجي". أغرته فكرة التمرين بجوار الفتيات، وهكذا فعل. أخذ بنصيحة أحد الأصدقاء بأن لا "يعتل همّ" الكلفة. كل ما عليه فعله هو زيارة النادي وسينسى كل شيء: "فعلاً نسيت كل شي، بس أول الشهر رجعت تذكرت طبعاً".
يكفي استطلاع السيارات الفخمة المركونة بالقرب من احد هذه النوادي لتحديد سعر الانتساب إليها قبل الدخول. وإذا تعذّر الاستطلاع، بضع دقائق تأمل بملامح الداخلين كافية: شعر مصفف على آخر "طرز"، نظّارات شمسية، رغم كون النوادي محمية بسقف، العطر الفاخر الذي يفوح في أنحاء المكان لحظة الدخول، وطبعاً الملابس الرياضية "السينيية".
لم تعد طبقات النادي الاجتماعية تحدد وفقاً للأطباق الحديدية المستخدمة لرفع الأوزان كما في السابق. صار النادي في أحيان كثيرة يشبه المطاعم وأماكن الترفيه، حيث لا تمثل الرياضة سوى جزء من التقديمات التي يوفّرها.
في الداخل، صور أبطال كمال الأجسام تكاد تكون مفقودة. طريقة التحفيز التي تعتمدها النوادي المتواضعة، بوضع صور هؤلاء في كل مكان، استعاضت عنها النوادي الحديثة بمرايا تنتشر في أنحائها، وكأن في ذلك تحفيزا من نوع آخر: الصورة تبقى صورة، أما المرآة فستكون انعكاساً للجسم الذي يرغب المشترك بالحصول عليه، وبالطبع "كله بسعرو".
يقتضي التجول في نادٍ كهذا بعض الحذر. يمشي الجميع هنا بشكل جانبي، لعدم تفويت فرصة النظر إلى المرآة، ففي أية لحظة قد تبدأ معالم العضلة بالتشكل. وفضلاً عن تأمل الذات، انعكاس المرآة يظلّ ضرورياً لرصد أي نظرة إعجاب، سواء كان المتلصص شاباً أو شابة.
أغرب ما في هذه النوادي أن أجسام مرتاديها تبدو بعيدة عن الحاجة إلى تنحيف أو تحسين. رامي، الذي تسمح قدراته المادية بتحمّل كلفة نواد كهذه، اختار في البداية الاشتراك في النوادي المتواضعة، مع بعض الرفاق، ليخسر وزنه الزائد. وبعد أن أتم المهمة اشترك في احد النوادي الفخمة في منطقة الحمراء. الدافع الأول في هذه المرحلة هو الانتماء إلى مجتمع النادي، أو ما يحلو له وصفه بـ"الجو". "هون غير شي، القصة مش بس صحة ورياضة، حياتك بتصير النادي".
يشرح الشاب عن وجوب توفر عدة عوامل ليصبح المشترك جزءًا من هذا المجتمع. أولها: التمتع بالجسم المناسب. السؤال البديهي الذي يطرح هنا هو ضرورة التسجيل أساساً، في حال انعدام الحاجة للتمرين. والجواب بسيط: "مين قال جايين حتى نتمرن؟ جاي أقطف بنات"!
حالة القطف لا يختزلها الشباب فقط. أساليب "الحصاد" لدى الفتيات مختلفة ربما، لكن الهدف يظل مشتركاً. تحرص لارا على وضع كل ما توفّر لها من مواد تجميل على وجهها، قبل التوجه إلى حصة رياضية في النادي. تبحث الشابة على فرصة للتعرّف الى شاب "لقطة". والـ"لقطة" في النادي تعني تحقق أول المعايير سلفاً: الجسم الحلو. وكل المعايير المطلوبة تأتي بعد ذلك.
تحرص الشابة على إحضار صديقتها معها. توفّر هذه النوادي خدمة خاصة تتيح للمشتركين إحضار ضيوف معهم لبضع مرات مجاناً، أو مقابل مبلغ قليل نسبياً، مقارنة بمبلغ التسجيل. الهدف من الخدمة استقطاب وإغراء الضيوف بالاشتراك لاحقاً.
سياسة لا تنفع دائماً. عبير لا تهتم بخدمات النادي الرياضي. جلّ ما تريده هو الانخراط بهذا المجتمع. والتردد إليه كزائرة فحسب، يشي بعدم قدرتها المادية على الانتساب. لا يهم، ما دام لا أحد سواها يعرف ذلك.
في موسم الصيف يكثر المنتسبون إلى النوادي الرياضية. المسابح بدأت الاستعدادت، فقريبا ستفتح أبوابها لاستقبال الزائرين. الأجسام النحيفة والرياضية شرط لا مفر منه بالنسبة لكثيرين. "رياضة صيفية" ستشكل، بهذا المعنى، امتداداً لمجتمعات النوادي، التي ستختار الذهاب إلى مسابح تشبه، بتواضعها أو فخامتها، النوادي التي ينتسبون إليها. امتداد يخرجهم فحسب من أماكنهم المغلقة إلى الأماكن المفتوحة.. ريثما ينتهي فصل الصيف.

السابق
سفير رومانيا: أموال لمساعدة اللاجئين ستصل إلى لبنان بالأسابيع المقبلة
التالي
المخاوف من جهاديي سوريا