لماذا لا نرى أننا منهارون؟

أسفر عمل إرهابي مروّع قرب خط الوصول في ماراتون بوسطن عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة المئات بجروح بينهم من بُتِرَت أطرافهم. وكما في المآسي الأخرى التي تصيبنا، ترتفع أصوات التنديد بعد الواقعة، ويبدأ تقاذف كرة اللوم، تكثر التكهّنات وتصير جزءاً من الهواء الذي نتنفّسه. في هذه الحال أيضاً، لم نستطع انتظار التحقيق، فقد سارعنا إلى استخلاص الاستنتاجات، فيما رحنا نسعى بفارغ الصبر وراء أي خبر لنفهم ما الذي يجري لبلدنا.
في هذا اليوم وهذا العصر، بتنا نملك وسائل تمكين قوية، فجميعنا لنا آراؤنا، ونشعر كلنا برغبة شديدة في مشاطرة الآخرين إياها، فننضم إلى جوقة ما ونعارض الأخرى. لقد بات العالم ملعباً، إذا صح التعبير، من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي: في غضون ثوانٍ قليلة نحصل على كم هائل من المعلومات من الكومبيوتر وجهاز التلفزيون والراديو والهواتف الخليوية.
ولا يمضي وقت طويل حتى تهدأ الأصوات وتعود الأمور إلى وتيرتها المعهودة. يبدو أن الناس يجدون العزاء في التعرّف على مشتبه فيه أو تحميل مجموعة أو فرد المسؤولية. نتصرّف وكأننا مراقبون يشهدون على المأساة، إنما ليست لهم أي علاقة بها في ما عدا الحاجة الملحّة الى معرفة ما إذا كان المشتبه فيه مطاردا، أو إذا قبض عليه أو قتل، وإذا كانت دولة أجنبية ما وراء العمل. وعند تلك النقطة، نستنكر ونبدي أسفنا للمأساة والخسائر التي نجمت عنها.
ننتمي إلى كون بالغ التواصل، لكن السؤال الكبير هو: هل يجعلنا هذا التواصل كائنات بشرية أفضل ومواطنين أفضل في هذا العالم؟
كان يمكن أن تنتهي مأساة بوسطن بطريقة أسوأ. لنتوقّف عند بعض السيناريوات الأخرى: كان يمكن أن تكون مجموعة إرهابية ما وراء الهجوم. وكان يمكن تحريك خلية ما لتنفيذ هجمات جديدة تباعاً، بما يتسبّب بسقوط مزيد من الضحايا ونشر مزيد من الرعب. فكّروا في تداعيات هذه السيناريوات والعواقب التي كان يمكن أن تترتّب عليها على المستوى الدولي.
عوض ذلك، تبيّن أن المرتكبَين هما مهاجران شابان أو يتحدّران من عائلة مهاجرين، وقد نشآ في الولايات المتحدة، وارتادا المدارس نفسها التي يدرس فيها أميركيون آخرون، ونهلا من الثقافة ذاتها التي ينهل منها جميع أولادنا. على الأقل الشقيق الأصغر الذي قبض عليه حياً، وعمره 19 عاماً فقط، يتكلّم الإنكليزية من دون لكنة استنادا الى رفاقه في الدراسة، ووصفه كل من يعرفونه بأنه لطيف وموهوب ومسلٍّ.
يقودني هذا إلى الأسئلة التي أرغب في دعوتكم إلى التفكير فيها ملياً: ما الذي يمكن أن يدفع شاباً في التاسعة عشرة من عمره إلى ارتكاب مثل هذا العمل الإرهابي الشنيع في حق أبرياء في الحي الذي يسكن فيه؟ لماذا يعاني مجتمعنا الانهيار، وما الذي سنفعله في هذا الشأن؟ وأقصد بكلامي هذا الجميع: الأهل، والمعلّمين، والسياسيين، والمسؤولين عن إنفاذ القوانين، والمديرين في وسائل الإعلام، ومجالس المدارس، والمنظمات الشبابية، ورجال وسيدات الأعمال. ما هي الأخلاقيات التي نبثّها لدى أولادنا، وأي نوع من القادة سيكونون في المستقبل؟
وانطلاقاً من هذا كله، أين أصبحت ثقافتنا فيما لا تزال العنصرية تتفشّى حتى يومنا هذا في الولايات المتحدة، لكن كثيرين يرفضون الإقرار بذلك؟ أي حال أصبحنا عليه نحن جميعاً عندما تمنع غالبية جمهورية في مجلس النواب الأميركي الرئيس الديموقراطي من تحقيق أي إنجاز ذي قيمة للبلاد؟ ما الذي يوحي به هذا كله عن أمّتنا عندما يرضخ مجلس الشيوخ لضغوط لوبي السلاح ويعطّل إقرار قانون لضبط السلاح كان ليجعلنا جميعاً أكثر أماناً؟ وماذا عن نظامنا التعليمي عندما يخلط أشخاص بين الشيشان التي يريدون تحميلها المسؤولية في إرهاب الشقيقَين المجرمين، وصربيا وكرواتيا والجمهورية التشيكية؟ وماذا عن إعلامنا الذي تهافت على تسجيل سبق صحافي، فنقل عن مصدر مضلِّل خبراً محمّلاً بالعنصرية مفاده أن "رجلاً داكن البشرة" محتجَز لدى الشرطة؟
حسناً، أميركا، نحن في نهاية المطاف أمام إرهابي مسلم أوروبي أبيض، تربّى على أيدينا وارتاد مدارسنا، واستهلك إعلامنا إلى جانب كل ما أثّر به من إرثه الشيشاني. الشقيقان المجرمان هما مشكلتنا نحن، تماماً مثل الكثير من المشكلات الأخرى التي تعتمل في منازلنا ومدارسنا وشركاتنا ومؤسساتنا الإعلامية والمناصب العليا في أنحاء البلاد.
أسأل بكثير من الحب والتعاطف والقلق على مستقبل أولادي وأولادكم: ألم يحن الوقت لننظر إلى الداخل ونحاول معالجة الانهيار الذي نعانيه؟

السابق
تمهيداً للحرب الشاملة
التالي
ساعة الصفر لمعركة أبواب الجحيم