تمهيداً للحرب الشاملة

لم يخف حزب الله وقوفه الى جانب النظام في سوريا. منذ انطلاقة الحملة العربية والدولية عليه في عام 2005، وبعد حرب تموز عام 2006، لم يترك حزب الله مناسبة إلا وعبّر صراحة عن تحالفه غير العادي مع النظام في سوريا. وعندما اندلعت الازمة السورية، حاول حزب الله رسم حد فاصل بين تطلعات الشعب السوري في تحقيق إصلاحات واسعة تلغي حكم الحزب الواحد، وبين عملية التدخل الخارجي لإطاحة حكم الرئيس بشار الأسد.

وأتيح له القيام بأدوار ظلت الى الآن خارج التداول، لكنه لم يكن يوماً يعرب عن خشيته من تعاظم الدور الخارجي واستسهال قوى سورية لعناصر التدخل والتقدير المبسط بأن النظام سيسقط خلال أسابيع. وفي فترة عام وأكثر، كان حزب الله لا يرى ضرورة للمبادرة على الارض بأي خطوة، حتى بدأت العمليات العسكرية تقترب من مناطق حساسة تخصه، شعبياً وسياسياً وأمنياً وعقائدياً. وتدحرج تدخل الحزب في سوريا شيئاً فشيئاً حتى صار مسؤولاً بصورة مباشرة عن بقاء قسم كبير من المواطنين اللبنانيين وحتى السوريين ـــ المعرضين لعملية تهجير منظمة على أيدي مجموعات عسكرية تتبع للخارج ـــ في أرضهم. وهو الأمر الذي ترافق مع تعاظم العمل الأمني الاستخباري لإسرائيل وقوى غربية ضد شخصيات أو مواقع تخص المقاومة بصورة مباشرة.
وعلى طريقة منع حرب الاستنزاف التي تفتح باب الحرب الاهلية المفتوحة، عمل حزب الله على دعم أنصاره بغية منع تهجيرهم، لكنه دعمهم أكثر للقيام بما يمنع الاعتداء عليهم أيضاً، وهو في هذا السياق لم يقم بالأمر سراً، لا عن الشعب السوري، ولا عن أهله، وليس من دون تنسيق مع النظام في سوريا. وخسر الحزب خلال هذه الشهور عدداً من شبانه بين من قتل ومن جرح.
طبعاً، سوف تأتي الأيام وتروى فيها تفاصيل هذا الدور، وسوف تنسج روايات متخيلة هدفها تصوير الحزب بأنه مصدر حياة النظام في سوريا، كما سوف تنشط ماكينة التحريض المذهبي ضد الحزب، لناحية اعتبار قتاله المجموعات المسلحة أنه قتال للسنّة في سوريا. وسوف يخرج من يتهم الحزب بأنه خالف قواعد النأي بالنفس، وغير ذلك من العناوين.
طبعاً، ليست مشاركة الحزب محل استحسان قسم غير قليل من أنصار المقاومة في لبنان والعالم العربي. وهو ما يوجب على قيادة الحزب البحث عن تفسيرات وشروحات مقنعة، حتى لو اقتضى الأمر تضحيات ما، علماً بأن في عقل الحزب منطقاً يقول بأن من هو مستعد لخسارة دمائه وحياته لأجل المقاومة، لا يبخل بماء الوجه إن اقتضى الامر، فكيف والحزب يرى ما يحصل في سوريا خطوة في سياق ضرب محور المقاومة الممتد من إيران الى فلسطين مروراً بالعراق ولبنان؟
في المقابل، ثمة عهر وفجور غير مسبوق عند الذين ينتقدون الحزب، وهم الذين تورطوا من اليوم الأول، سياسياً وإعلامياً وأمنياً وعسكرياً ومالياً، في دعم المجموعات المسلحة، وهؤلاء الذين يرفضون حتى الآن إدانة كل الجرائم البشعة التي يقوم بها مسلحون في مناطق عدة من سوريا، ويحاولون علك الكلام السخيف عن الوحدة الوطنية في سوريا، بينما هاجر نحو مليون ونصف مليون سوري داخل سوريا وخارجها من أبناء الاقليات غير المرضى عنها من التيار التكفيري المسيطر على الأرض والأكثر نفوذاً بين قوى المعارضة المسلحة. لا بل إن داعمي هؤلاء ينادون بالدعم العسكري المفتوح وبأن تتدخل الولايات المتحدة وأوروبا، ووصل الأمر بأحدهم، مثل وليد جنبلاط، الى الدعوة لاستباحة الدروز الذين يقفون الى جانب الحكم في سوريا. وهو الأمر الذي يؤمن به سعد الحريري إزاء السنّة الموالين للنظام، أو الذي يقتنع به سمير جعجع إزاء المسيحيين الموالين للنظام، لكنهما لا يحتاجان الى إعلان موقف، كحال جنبلاط المطالب بصرف فواتير للسعودية ودول النفط.
وإذا كان التحريض سيزداد يوماً بعد يوم، لأجل تهيئة الارضية في لبنان، لحرب فرعية تقوم ضد حزب الله بحجة مناصرة «أهل الثورة» في سوريا، فهي خطوة لن تكون منفصلة عن الجنون السعودي الداعي الى تأليف حكومة أمر واقع، تكون وظيفتها مطابقة لوظيفة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2005، ما يعني أننا أمام مرحلة أكثر خطورة، تقوم على فكرة الاستعداد العملاني ليكون حزب الله أمام حرب مصيرية، بين جبهة داخلية، وأخرى من الجانب السوري، وثالثة تتكفل بها إسرائيل.
حسناً، إنها المؤشرات الإضافية على الحرب الشاملة الجاري العمل عليها الآن، وهي حرب سوف تظل رهن خطأ في التقدير من جانب طرف معين، أو سلسلة من الدماء التي سوف تسيل بعد انفجار صغير في مكان ما. وما علينا في هذه الحالة، سوى الانتظار!

السابق
جمهورية الأسد من دمشق إلى الساحل
التالي
لماذا لا نرى أننا منهارون؟