بيت ثقافي خارج الثنائي الشيعي

في العام 1998، تحالف "التيار الديموقراطي" في مدينة صور مع حزب الله، ليُنافس حركة أمل في الانتخابات البلدية. اتهمت "أمل" هذا التيار بأنه تحالف مع بقايا الإقطاع، لأن الحركة اعتبرت أن حزب الله ضم إلى صفوف مناصريه الإقطاع السياسي في مدينة صور.

اليوم، وبعد نحو 15 عاماً، خرج بعض هؤلاء الديمقراطيين، ليُعلنوا إنشاء بيت للثقافة في هذه المدينة الجنوبيّة. الافتتاح الذي جرى منذ أكثر من أسبوع، يُبشّر خيراً. الحاضرون كُثر، نوعيّة المشاركة جيدة. المؤسسون: منيف فرج، جوزف براضعي، حسين حمود، حازم خليل، إبراهيم فرج، حسين مرتضى، عصام حب الله، غزوان حلواني، معين حلواني، محمد جام. الشاعر شوقي بزيع، عبّر في كلمته عن خيار بعض الجنوبيين بالابتعاد عن الأصوليّة بكل أشكالها، وعن الأنظمة القمعيّة أيضاً.

اللافت، أن "حزب الله" تولّى الهجوم على هذه المجموعة. الاتهامات تنوّعت من التبعيّة إلى الاقطاع، إلى الاتهام بخلع الرداءة اليساريّة ولبس رداءة امبرياليّة. وكأن الحزب نصّب نفسه، مقيّماً لليساريّة وواضعاً لمعايير التقييم لمن يدعي الإنتماء لخيارها.

في هذا التبدّل في الجهة المهاجمة دلالات كبيرة. حركة أمل هاجمت سابقاً، تحالف حزب الله والديموقراطيين، لأنه كان يرفض الفساد والمحسوبيّة التي تمارسها الحركة. حالياً، بدأ التهجم على مؤسسي البيت الثقافي، قبل الإعلان الرسمي عن إنشائه، أي قبل أن يُلقي رئيسه منيف فرج، كلمته التي حددت دور هذا البيت، في الانفتاح الثقافي والسياسي للسعي للخروج من الأزمة التي يعيشها البلد. سرّ الهجوم، لا يحتاج إلى مفككي شيفرات لفهمه: الثورة السوريّة. يكفي أن يقول المؤسسون في المجالس الاجتماعية منذ سنتين أنهم يؤيّدون الثورة السورية، ليشن عليهم هجوماً يصل إلى اتهامهم بالعمالة لاسرائيل.

الحديث مع المؤسسين لبيت الثقافة يفيد بواقع واحد: "لقد بتنا بحاجة إلى مساحة حرة في المدينة لنُعبر عن خياراتنا السياسيّة". ما هي هذه الخيارات؟ يتحدث هؤلاء عن محاربة الفساد والرغبة في المساهمة في بناء الوطن والمواطن، بعيداً عن المحسوبيات الضيقة.. لكن الأهم، ما يُجاهرون به: نحن داعمون للثورة.

المثير، أن المؤسسين استطاعوا جمع مبلغ من التبرعات من بعض أبناء المدينة المقيمين والمغتربين. مبلغ، لم يكن أكثر المتفائلين متوقعاً أن يتم جمعه. وهذا دلالة على وجود خيار في المدينة الجنوبية، يرفض وضع الجنوب اللبناني في مواجهة الثورة السوريّة. يتلاقى هذا الدعم المالي مع كثافة الحضور في الافتتاح. هذه الرسالة هي الأهم. في بلدات صور، يُمكن أن تسمع الكثير من الآراء الداعمة للثورة أو النظام في سوريا، ومنهم من هو غير مبالٍ، لكن الأكيد أن الإقتناع بضرورات مشاركة أبنائهم في قمع الثورة ليس موجوداً، واللجوء الحثيث إلى التعبئة المذهبيّة دليل على هذا الواقع.

هكذا، تكون صور، قد أعلنت للملأ أن هناك تنوعاً داخلها. لكن السؤال الأساسي، إلى أي مدى يستطيع "بيت الثقافة للتغيير الديمقراطي" تغيير الواقع الحالي داخل المدينة وقرى الجوار؟ هذا الواقع، لا يقتصر على موقف سلبي من الثورة السورية، بل هو حالة اجتماعيّة وسياسيّة في صور، وفي الجنوب عامّة، أدت إلى قتل الحياة السياسيّة والنقاش الثقافي، وحصره في بوتقة مذهبيّة ضيقة. والخطر هنا، أن صور، مدينة متنوعة مذهبياً وارتفاع حدة الخطاب المذهبي، لن تحمل الخير لهذه المدينة، التي لم تدخل أتون الاقتتال المذهبي في عزّ الحرب الأهليّة.

هذا سياسياً، أمّا اجتماعياً، فقد بات السلاح رفيق الشباب هناك. هذه حالة لم تتعوّد عليها المدينة والجوار. القوى الأمنية تقف عاجزة عن ضبط أي إشكال في غياب القرار والغطاء السياسيين. تجاوز القانون بات سائداً، في البناء العشوائي وفي وضع اليد على الأملاك العامة (وقد كان النائب عبد المجيد صالح خير مثال لأهل صور) والتعدي على شبكة الكهرباء العامة، وسرقة المياه، وما إلى ذلك من أشكال تجاوز القانون، والتي تصل إلى ذروتها مع دخول لغة الأمن الذاتي إلى قاموس هذه المنطقة منذ نحو سنة. إذ بات يُمكن رؤية الدوريات السيّارة للقوى الحزبيّة بالعين المجردة. دوريات، لا تتردد بتفتيش سيارات "الغرباء" أو في التعدي على العمّال السوريين وتفتيشهم وضربهم، وفي بعض الحالات سرقة القليل من المال الذي جمعوه.

التحديات كثيرة في صور ومحيطها. بيت الثقافة للتغيير الديموقراطي، أمام تحدٍ كبير، في إعادة بعض البريق الثقافي والفكري لهذه المدينة، الذي خسرته مع تراجع دور منتدى صور الثقافي منذ سنوات، وما خلّفه إحكام الثنائي الشيعي قبضته على كامل تفاصيل حياة أهالي صور، وغيرهم.

السابق
كلام الأسد والرسائل المتعدّدة
التالي
حزب الله “بطل” معارك القصير.. والاسير يطلق كتائب المقاومة الحرة