الصورة هي عنوان المرحلة

لافتة تلك الصورة التي يتداولها على نحو واسع الآلاف على شبكات التواصل الاجتماعي اخيرا، تلك التي تجمع مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي الخامنئي والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، واقفيْن جنباً الى جنب، السيد نصرالله الى يسار قائده تماما، وفوقهما صورة الامام الخميني، في مكان يرجح انه مكتبة المرشد في منزله المتواضع في طهران.
عرض الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم نشرها بعد ذلك في موقع العهد الاخباري التابع لاعلام حزب الله، وتداولها لدى الانصار والمريدين، تؤكد مصداقيتها لجهة تبنيها من قبل الحزب ومكتب ولي الفقيه، وإن من باب عدم نفيهما صحتها. وهذا ما فرض اسئلة شتى حول المعاني التي تحملها، ومعنى هذا اللقاء شبه المعلن وتوقيته. فالصورة الوحيدة التي تجمع الرجلين، والمتداولة بشكل شبه رسمي، هي تلك الشهيرة التي ينحني فيها السيد نصرالله مقبلا يد السيد خامنئي أثناء زيارته ايران لشكرها على دورها في تحرير الشريط الحدودي في العام 2000. (رغم وجود صورة ثالثة تقليدية تجمع قيادة حزب الله الى خامنئي).
ونشر الصورة ينطوي على رسائل في اكثر من اتجاه، الا ان العديد من المراقبين يجمعون على انها موجهة بالدرجة الاولى الى جمهور حزب الله، والشيعة عموما. فالسيد نصرالله ظهر، بخلاف جميع زوار المرشد من الطاقم الحاكم في ايران الى غيرهم من رؤساء الوفود الرسمية، جنبا الى جنب ولي الفقيه، لا يقبل يده ولا يجلس في مكان اقل شأنا او ادنى كما هي حال رئيس الجمهورية الايرانية وغيره من رؤساء المؤسسات الدستورية الايرانية، حيث يحرص البروتوكول الايراني على تقديم المرشد بشكل لافت وصريح.
ولا يمكن عزل المعاني عن تداعيات الاوضاع السورية، عن حزب الله عموما وعن شخص السيد نصر الله بشكل خاص. اذ لا يخفى ان زعيم حزب الله، حين كان يقبل يد قائده امام عدسات الكاميرا وامام المئات من الحاضرين في احدى قاعات طهران الكبرى، وبعد اسابيع قليلة على تحرير الجنوب، كانت صوره واعلام حزبه ترتفع في معظم العواصم الاسلامية. فقامة القائد الذي فرض على اسرائيل الانسحاب من لبنان دخلت في قلوب الملايين من العرب والمسلمين، السنة والشيعة وغيرهم. وكان نصر الله يدرك هذه الحقيقة وهو ينحني لتقبيل يد المرشد، كما كان ولي الفقيه يترقبها من ممثله في لبنان وامام هذا الملأ وتلك العيون الشاخصة الى هذا اللقاء في حينه. وانتشرت في حينه تلك الصورة بمعانيها ودلالاتها، وكان المشهد، رغم الولاء المعروف للسيد نصرالله وحزبه، يعطي مكسبا صافيا لايران ومرشد الثورة. إذ إنّ السيد نصر الله، في تلك الانحناءة، كان يضيف الى قائده حضورا وقيمة، من دون ان يضيف ولي الفقيه اليه شيئا.
لكن في صورة اليوم ثمة تقصداً في تبديل المشهد. تبديل فرضته مستجدات لم تعد تحتمل تكرار الصورة الاولى، لاسباب شتى قد يكون منها ان ثقة المرشد ازدادت بالسيد نصرالله بعد نحو 13 عاما من الصورة الاولى. لكن ثمة ما هو اهم، وهو ان السيد نصر الله، الذي شكلت مواقفه من الثورة السورية وثورات الربيع العربي عنوانا لانهيار صورته لدى جمهور عربي واسلامي واسع، سقط من تلك المكانة التي كان عليها. هو الذي لم تتحقق لغيره مكانة مماثلة، إن لشخصية شيعية، أو سياسية عموما، باستثناء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وانهيار صورته سببه تلك المواقف التي اتخذتها القيادة الايرانية من دعم نظام الاسد في الدرجة الاولى، ثم اندراج حزب الله الكامل في مواجهة يعتقد الكثيرون انها انحرفت عن اتجاه البوصلة التي كان السيد نصر الله يشير اليها: فلسطين.
في صورة اليوم بدا المرشد كأنه يحاول تعويض ما خسرته صورة السيد نصرالله. تعويض من خلال الايحاء بأنّ ثمة قائد يقف الى جانب قائد، يقدمه على كل المسؤولين الايرانيين، وغير الايرانيين.
على ان الاسترسال في قراءة الصورة يأخذنا الى بعد سياسي في مضمونها. فحزب الله يتهيأ ليكون مظلة التدخل في سورية لأنّ التدخل الايراني العسكري والمباشر والعلني تحول دونه حسابات دولية واقليمية معروفة. بيد أن تدخل حزب الله يبقى الأقل كلفة، فالحزب مرشح لأن يكون عنوان وغطاء الآلاف من الشيعة العراقيين والباكستانيين والايرانيين وغيرهم، الذين يأتون الى سورية باسم الدفاع عن المراقد المقدسة. وهو الاقدر على الادارة والاشراف والتنظيم الميداني في مواجهات مفتوحة تأخذ طابع حروب الميليشيات.
الصورة لها وظيفة مستقبلية، تجاوزت الوظيفة التقليدية، وظيفة هذه المرة يوكلها ولي الفقيه إلى ممثله في بلاد العرب وليس في لبنان فقط. صورة – فاتحة لمرحلة يفترض ان يثبت حزب الله فيها كفاءته وثقة القائد به، تلك الثقة الموقعة في الصورة. صورة فاتحة لمرحلة إدارة حرب داحس والغبراء، التي سيسيل منها دماء الشيعة والسنّة، من حول العالم، في الساحة السورية.

السابق
الضاحية تقاطع البضائع التركية
التالي
الحرب بين إسرائيل وحزب الله حتمية