الإنتخابات والفوضى غير الخلاَّقة

غالباً ما يعتمد الأميركيون في تعاطيهم مع ملفات العالم بمنهجية الفوضى الخلاَّقة فيخوضون غمار المعارك العسكرية والسياسية والديبلوماسية إنطلاقاً من هذا النهج، ثم يحكمون على صوابيته إنطلاقاً من نتائجه.
بالمقارنة، فإن بعض السياسة في لبنان تُدار وفق نهج الفوضى غير الخلاَّقة:
لا خطة، لا دراسة، لا نهج، ردة الفعل تطغى على الفعل والإنفعال على الروية:
عيِّنتان من الأمثلة تُثبتان بما لا يقبل الشك أن هذا النهج هو المتَّبع:
إيجاد قانون جديد للإنتخابات، وتشكيل الحكومة.
في قانون الإنتخابات، مَن يستطيع أن يُحصي مشاريع القوانين التي صُنِّفَت في خانة المناورات حتى الآن؟
ما ان يطرح فريقٌ ما مشروع قانون معيَّن حتى يُعاجله فريقٌ مناوئ بمشروع قانون مغاير، وهكذا بقيت المناقشات والمناوشات تدور في حلقة مفرغة إلى أن وصلنا إلى اليوم حيث لم يتبق من عمر مجلس النواب الحالي سوى أقل من شهرين، فما هو الوضع؟
ثمانية وخمسون يوماً وتنتهي ولاية مجلس النواب الحالي، فهل بالإمكان في هذه العُجالة استنباط قانون جديد ثم إجراء الإنتخابات على أساسه؟
لا قانون جديد، لا إنتخابات وفق القانون القديم، لا تمديد لمجلس النواب الحالي، في ظل هذه اللاءات الثلاث هل من توصيفٍ للوضع غير انه فوضى غير خلاَّقة؟

الوضع الحكومي ليس أفضل حالاً، يكاد الشهر الأول يقترب من الإنقضاء على إستشارات التكليف ثم التأليف، فأين نحن من النتائج؟
على رغم كل الجهود التي يبذلها الرئيس المكلَّف فإن العقبات مازالت تتقدَّم على التسهيلات:
ففي مقابل الحديث عن حكومةٍ حيادية، طرحت قوى الثامن من آذار حكومة تتمثَّل فيها الأحزاب والتيارات، وآخر هذه المطالب إعلان حزب الله انه يريد أن يتمثَّل شخصياً في الحكومة، وهذا المطلب إنْ دلَّ على شيء فعلى ان الحزب يريد من خلال مطلبه أن يُمهِّد الطريق إلى حليفه التيار الوطني الحر للبقاء في الحكومة وبالحقائب الأساسية ذاتها اي الطاقة والإتصالات، لكن هذا المطلب يلقى إعتراضات من كثير من الأفرقاء وإنْ كانوا لا يبوحون بهذه الإعتراضات، تاركين الأمر إلى الرئيس المكلَّف ليعترض على طريقته.

إذاً، قانون إنتخاب غير موجود، قانون قائم لكنه غير مقبول من كثيرين، تمديد صعب لأن لا أحد يجرؤ على المطالبة به علناً، أما حكومياً فالعراقيل أكثر وأكبر من التسهيلات، ومهمة تصريف الأعمال في الحكومة المستقيلة يبدو انها ستطول.
وفي ظل هذين المعطيَِيْن، هل هناك فوضى غير خلاَّقة أكثر من هذه الفوضى؟

السابق
الحياة: لا تسوية بين الرياض وطهران بعد
التالي
تركيا ليست جمهورية موز