الاستقالة عندما تفقد قيمتها

لم يعد كتاب الاستقالة الذي يلوح به بين الحين والاخر رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب، ورقة ضغط على اصدقاء سوريا. صار اشبه بخدمة لاعدائها واعداء المعارضة السورية التي لا تحتاج اصلا الى الكثير من الاعداء لكي تثبت انها غير جديرة بالثقة وغير مؤهلة لكي تكون البديل.

الشيخ الذي لا شأن له بالسياسة ولا علم له بفنونها، تحول الى طرفة يتداولها المعارضون قبل الموالين، ويتناقلون صورا عن رمز شعبي مطلوب ومرغوب في هذه المرحلة، لكنه لا يفوت مناسبة الا ويخسر المزيد من رصيده ومن رصيد الائتلاف الذي يترأسه، والذي يبدو ان مصيره لن يكون مختلفا عن مصير سلفه المجلس الوطني المعارض.. عندما يتفرق اصدقاء سوريا كل الى غايته.

ما زال الرجل محبوبا في الداخل السوري، ربما اكثر من اي معارض سوري آخر. لكن المسافة قاتلة لذلك الشعور عندما يرتفع عدد الضحايا بمعدلات مخيفة، من دون ان يجدي نفعا ذلك النهج العفوي الذي يعتمده، بناء على الاستخارة التي يلجأ اليها رجل الدين عادة، او استنادا الى نصيحة وجهاء دمشقيين محيطين به يدفعونه الى تقديم المبادرة تلو الاخرى، من دون حساب جدواها واثرها النفسي، الذي كان حتى الان مؤذيا للمعارضة نفسها، اكثر مما كان محرجا للنظام.. خصوصا وان تلك المبادرات كانت على الدوام مصحوبة بالتهديد بالاستقالة من منصب كان ولا يزال برتوكوليا الى حد بعيد.

لكن الشيخ لا يريد ان يعترف بان هذه المبادرات ضاعت هباء، ومعها كتاب الاستقالة الذي جرى التلويح به في قمة الدوحة العربية الشهر الماضي، عندما كان البحث العربي جديا اكثر من اي وقت مضى في تحويل الائتلاف الى جسم سياسي منظم ومنضبط ومسؤول، يجري تأهيله لكي يكون المجلس الانتقالي، على غرار التجربة الليبية، او على الاقل لكي يكون المفاوض مع النظام او بالتحديد رموزه غير المسؤولين عن الدم.

في الاستقالة التي شاعت في قمة الدوحة قال الخطيب انه صادق هذه المرة لان بعض اشقاء الشعب السوري وحلفائه خرقوا الخطوط الحمراء التي رسمها، لكنه رفض الكشف عنها، ولا حتى تحديد المتهمين بخرقها. يومها فقط طالب بتأمين غطاء يحمي الشمال السوري على الاقل من صواريخ النظام.. من دون ان يلاحظ ان الحصول على درع صاروخي ليس مجرد حلم، بل هو وهم كبير يضاف الى الكثير من الاوهام التي راودت الكثيرين ممن اعتقدوا ان الازمة في سوريا خاطفة، ولن يسمح المجتمع الدولي للنظام بان يستخدم سلاح الطيران او الصواريخ ضد شعبه.

في اسطنبول، لم يحدد الخطيب ما اذا كان احد ما قد خرق اي خط من خطوطه الحمراء السرية، كما لم يوضح ما اذا كان يربط تعليق الاستقالة باي شرط جديد، غير الدرع الصاروخي المستحيل. لكنه بدا انه يغرد خارج سرب المعارضة السورية التي تلقت وعدا اميركيا بمساعدات دفاعية اضافية تقدر ب123 مليون دولار..لا يبدو ان الاميركيين اشترطوا لدفعها ان يقبل الشيخ الدمشقي دعوة كان قد رفضها سابقا لزيارة البيت الابيض الاميركي، قد تشمل لقاء مع الرئيس باراك اوباما.

استقال الشيخ الخطيب مجددا،فقط ليقدم دليلا اضافيا على ان المعارضة السورية الموزعة على المنافي هي معضلة الثورة السورية وسبب اعاقتها الرئيسي.. وليعطي البرهان على ان الجسم السياسي الوحيد الذي يمكن ان يراهن عليه السوريون هو الجسم المنشق عن المؤسسة العسكرية، الجيش السوري الحر، الذي كان وسيبقى عنوان الثورة وأملها الوحيد في ان تتخطى اعاقات الخارج وعيوب الداخل. وهو ما يبدو نتاجا طبيعيا لاربعين سنة من التعطيل التام للحياة السياسية السورية الذي لم يفرز سوى معارضين سياسيين فاجأهم الثوار اكثر مما فاجأهم النظامِ.

السابق
دم الغزال السوري
التالي
اسمها.. عايدة