لم يعد ضرورياً التأكيد أن "حزب الله" يخوض معارك في سوريا؛ تتعدى بضع قرى يقطنها لبنانيون في ريف القصير، كما حاول أمينه العام السيد حسن نصر الله أن يقنع منتقديه في 27 شباط الماضي. الواقع أن الحزب يخوض معارك شرسة في جبهة القصير بهدف احتلال ريف القصير، فمدينة القصير، تمهيداً لإحكام السيطرة على حمص، وفق "سيناريو الورقة الأخيرة"، أي الدويلة العلوية، التي تشكل حمص عقدتها الأساس، على ما يبدو.
انطلق الحزب بدايةً من قرى يقطنها لبنانيون شيعة (زيتا- كوكران- الحمام- مطربا الجنطلية- وادي حنا…)، ثم احتل قرى أخرى مختلطة أو يقطنها لبنانيون غير شيعة (حاويك- بلوزة- الصفصافة…)، ثم سيطر على قرى أخرى يقطنها سوريون (أكوم- السماقيات- البجاجية- المصرية- السمكانية…)، وهو يحاول حالياً محاصرة مدينة القصير نفسها ( 50 ألف نسمة- 35 كلم غرب حمص- صلة الوصل بين حمص ولبنان) من خلال ثلاثة محاور، تشهد قتالاً مريراً من مدة:
ـ المحور الشمالي الغربي: تعتبر بلدة حاويك المحتلة من قبل "حزب الله" قلب هذا المحور؛ منها يحاول مقاتلوه التقرب باتجاه مدينة القصير غرباً، ملتفين على قرى المحور الغربي التي يسيطر عليها "الجيش الحر" (العقربية- سقرجة- البرهانية). وتعتبر تلة النبي مندو، على هذا المحور، إحدى أهم النقاط التي نجح الحزب في السيطرة عليها أخيراً، نظراً إلى موقعها الإستراتيجي (خلف خطوط "الجيش الحر" إطلالتها على مدينة القصير). خلال احتلاله هذه القرية أفرط "حزب الله" في استعمال النيران، حيث فلحت مدفعيته الثقيلة الأرض، مدعومة بمدفعية "الجبهة الشعبية القيادة العامة" في قوسايا، فيما تولت طائرات النظام السوري تأمين الغطاء الجوي لزحف مقاتليه، ومع ذلك فقد تكبّد الحزب خسائر فادحة في الأرواح جراء الكمائن التي واجهته أثناء زحف المشاة على القرية المذكورة.
ـ المحور الغربي: تعتبر بلدة زيتا المحتلة من قبل "حزب الله" قلب هذا المحور؛ حيث بكّر الحزب في جعل هذه القرية التي يقطنها نحو 3500 لبناني قاعدة عسكرية له. يحاول الحزب انطلاقاً من زيتا والقرى المجاورة (الفاضلية- الجنطلية- السوادية- البجاجية- السمكانية)، منذ أكثر من شهرين، التقدم على هذا المحور، واحتلال القرى المواجهة التي يسيطر عليها "الجيش الحر" (العقربية- سقرجة- البرهانية)، لكنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن، علماً أنه شن هجوماً كبيراً الشهر الماضي، إلا أنه مني بخسائر كبيرة أجبرته على الانكفاء.
ـ المحور الجنوبي الشرقي: يشهد هذا المحور قتالاً نشطاً منذ مدة، حيث استطاع الحزب الاقتراب كثيراً من مدينة القصير من الجنوب والشرق، مستفيداً من وجود قرى يقطنها لبنانيون شيعة (بلدة كوكران والمناطق المجاورة)، وفي ما بعد حاول الحزب الإطباق على قرى صغيرة تقع جنوب مدينة القصير هي؛ الخالدية- الأذنية- النهرية، وذلك من جهتين؛ من كوكران والديابية والنزارية المحتلة شرقاً، ومن أبو حوري والصفصافة ومطربا المحتلة غرباً، لكنه لم ينجح. غير أن الحزب نجح في وقت لاحق في احتلال بلدة ربلة المسيحية، ومن خلالها حاول تعزيز وجوده في بلدة جوسيه، لكن المواجهات استمرت في البلدة الأخيرة، ونجح الثوار في السيطرة عليها مرات عدة.
غير أن الهزيمة الأقسى التي مُني بها الحزب وقوات النظام السوري على هذا المحور تمثلت بسقوط مطار الضبعة العسكري شرق مدينة القصير بيد الثوار (كتيبة الشهيد ثائر بوظان)؛ إذ بسقوط هذا المطار سقطت أيضاً قرية الضبعة، وتالياً لم يعد بمقدور الحزب الالتفاف على مدينة القصير من الشرق، فضلاً عن الذخائر التي حصل عليها الثوار من المطار ومن ضمنها سلاح ثقيل-، وتكبيد الحزب خسائر في الأرواح قدّرها الثوار بعشرة رجال-، وقد أظهر أحد الأشرطة المصورة التي عرضها الثوار أوراقاً ولوازم شخصية خاصة بعناصر الحزب، بينها تعميم صادر عن أمينه العام.
وفي المحور نفسه استهدف الثوار يوم أمس وفق ما أفاد بيان صادر عنهم- سيارة لـ "حزب الله" رباعية الدفع توغلت باتجاه قرية الحسينية السورية (بالقرب من شنشار والدمينة الشرقية)، وقتلوا أو جرحوا من فيها.
وفقاً لبيانات الثوار؛ فإن خسائر الحزب تعدت العشرات إلى المئات. قد يكون في ذلك مبالغة رقمية، لكن الأكيد أن خسائر الحزب باتت كبيرة إلى درجة أنه بات يصعب إخفاؤها، وأن الحزب اضطر إلى دفن بعض مقاتليه داخل الأراضي السورية، إما في قبور موقتة أو نهائيا، وأن قاعدته الخلفية في بلدة القصر اللبنانية (مرابض مدفعية- معتقل- منطقة تعبئة وعبور للمقاتلين…) باتت تنوء بحمل الجبهة التي فتحها الحزب على من يفترض أنهم أشقاء لا أعداء!.
