حكومة خطف الوزارات

«مشوار التأليف» الذي يسيره الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية، يبدو حتى الآن طويلا قياساً على حكومة «وحدة» ينادي بها معظم الأطراف اللبنانية، وقد وضع بعضها تمام سلام، أمام «خطوط حمراء» ليس عليه تجاوزها ابداً، وهو ينطلق منها في إعداد أية تشكيلة حكومية مفترضة لـ»مجلسه الوزاري» الذي طالما سوّق أنه يريده «مصغراً» على اعتبار أن مهمّته تنحصر بإجراء الانتخابات النيابية، وحتى من دون أي أفق لأي مشروع قانون انتخابي يمكن أن يحظى بتوافق اللبنانيين.
ما أسفرت عنه نتائج المشاورات منذ أطفأ سلام محركاته للدخول في فترة «حك الرأس» لإيجاد صيغة يقدم بها لائحة حكومية كانت قد أعدت سلفاً يعرف مسبقاً أنها لن تلقى قبولاً عند الشركاء في الوطن، هو تمسكه بقوله أنه ينتظر اسماء من الأطراف التي تريد أن تشارك بالحكومة وليس من يريدها هو أن تشارك فيها. فهو ألقى خطبة عصماء أمام جميع من التقاهم على هذا الصعيد مفادها أنه «الرئيس المكلف، وهو من يجب أن يختار من دون مشاورة أحد.. لأن تلك مسؤوليته وأنه ليس مستعداً لقبول اي تدخل في هذا الشأن حتى ولو كان من «اليابان».
الإجتماع الذي جمع الرئيس المكلف بقوى 8 آذار في دارته، تم ترتيبه بعد اجتماع جمع الرئيس نبيه بري بوزير الطاقة جبران باسيل الذي نقل الى رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون رأياً بضرورة معرفة ما يفعله تمام بيك خاصة وأن الكواليس تضج بتوزير اسماء وتوزيع حقائب، فوافق الاخير بعد امتناع، وتم الإتصال بحزب الله الذي تمت الاستعانة بالرئيس بري لإقناعه بضرورة وجوده ضمن الإجتماع وهكذا حصل.
كان الاجتماع «جافاً» لا سيما أن ممثل حزب الله في الاجتماع المعاون السياسي للأمين العام، الحاج حسين خليل، لم تكن مشاركته «فعّالة»، بل كان ميالاً أكثر للإستماع الى الرئيس المكلف الذي قال إنه «لا يريد مشاركة الحزب والتيار الوطني في الحكومة»، لكن المجتمعين أبلغوا سلام بشكل مباشر أنهم لن يرضوا بأقل من حكومة سياسية بامتياز وفيها «ثلث معطل» مهما كانت المهمّات التي ستقوم بها.
كان سلام قد وضع رئيس الجمهورية ميشال سليمان في أجواء تشكيلة تم تسريبها فيما بعد الى وسائل الإعلام، لكن الرئيس سأل سلام عما إذا كان اطلع رئيس جبهة النضال الوطني عليها فنفى ذلك، وكانت نصيحة الرئيس إليه أنه يجب التشاور مع جنبلاط تجنباً لأي مشكل معه.
ما كان وضعه الرئيس المكلف من تشكيلة وزارية، لم يخرج سوى عن لجنة «أشباح» استشارية على أعلى المستويات من «حزب المستقبل» والتي هي بدورها من تأليف وألحان وتوزيع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري و»مشاركوه» في السعودية التي حددت الساعة «صفر» لإسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتكليف سلام لاعتبارات تتعلق بالأوضاع في المنطقة وإعادة صوغ السلطات في لبنان في ظل اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
قد لا ينتظر الرئيس المكلف أحداً ليقدم اسماءً إليه، علما أن الأطراف لن تسعى الى ذلك لأن الخلاف والإختلاف كبير سياسياً واستراتيجياً وليس فقط في الشكل، ذلك لأن تمام بيك، ينفذ سيناريو تم الإتفاق عليه سلفاً ويقضي بتقديم حكومته الى رئيس الجمهورية الذي سيبادر فوراً الى التوقيع عليها حتى لو لم تنل الثقة، وذلك من اجل «خطف» الوزارت من وزرائها الحاليين كخطوة «انقلابية» على التيارات السياسية الشريكة في حكومة تصريف الأعمال، اي استبدال حكومة تصريف اعمال بحكومة تصريف اعمال أخرى.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية إنه في حال إقدام رئيس الجمهورية على هذه الخطوة أو تفرد الرئيس المكلف بتشكيل حكومة من دون الأخذ في الإعتبار الصيغ الميثاقية المتعارف عليها، فإنه لن يصار الى تسليم الوزرات، أي أنه لن يكون هناك «تسلم وتسليم»، وهو ما سيؤدي الى أوضاع مخلّة قد تنعكس على الأوضاع الأمنية في البلاد.

السابق
الاردن ترفض أي تدخل في سوريا..رغم تعزيزات واشنطن العسكرية على اراضيها
التالي
نحو “حروب طاقة” طاحنة في شرق المتوسط؟