تاريخنا فيه شوك.. لكنّ العطر أبقى*

بعضنا استلبته فكرة التقسيم وآخرون الضم اليوم نفتخر بلبنانيتنا
علي الامين
البلد- الجمعة 19 نيسان 2013
حين تلقيت الدعوة للمشاركة في الاسبوع الثقافي الذي تنظمه مدرسة مار يوسف الثانوية لراهبات القلبين الاقدسين في بلدة عين ابل في هذه الايام ابتهجت كثيرا ، وانتابني شعور بالرهبة ايضا من هذا اللقاء. حاولت ان اعرف سر البهجة وهذه الرهبة. فانا عادة لست من الذين يسارعون الى الاستجابة الى دعوات التكلم على المنبر واحب الكتابة اكثر من الخطابة او الجلوس على منبر المحاضر، لمزاج شخصي ربما، او لشعور بانني اجد نفسي على الورق اكثر من المنبر، وربما اسباب اخرى ليس مجال الاطالة في عرضها الآن. لكن باختصار يغريني الحوار والاستماع واحب اكتشاف الذات والآخر والغوص في بحوره والجلوس على ضفاف سواقيه الى حدّ التقمص.
فعين ابل في ذاكرتي مدرسة اولاً وثقافة وتميّز محبب وبلدة جميلة قبل أولا. وهذا هو سبب انشدادي، كما الكثيرين من اقراني، الى المختلف الديني المجبول باسئلة وهواجس تتراوح بين رغبة عارمة بالاحتفاء بهذا الاختلاف وصولا الى رفض عصبي له، وبين شعور بوحشة الملل والتكرار الى الذهاب نحو دهشة المختلف واسئلته والانبهار به. وكعادة الاطفال اذا احبوا شيئا وقعوا في الاستلاب واذا كرهوا شيئا نفروا منه. لكنني لا اخفيكم انني، ومنذ تلقيت الدعوة الى هذا اللقاء، انتابني شعور اشبه باحوال العاشق حين بدأ يستعد للقاء حبيبته التي قبلت ان تلتقيه بعدما كان ظنّ ان لا تلاقيا، يحار كيف يستعد للقاء تختلط قبله مشاعر الرهبة والشوق: ماذا سيقول؟ وكيف؟ كيف يضبط ايقاع كلماته؟ وكيف يستطيع ان يوصل كل مشاعر الحب والالم في داخله بلا نقصان الى قلبها؟ هل يمكن ان تسيء فهمه؟ بل هل سيحسن التعبير وتوصل النظرات ما تعجز عنه الكلمات؟
يقول الإمام جعفر الصادق (ع): "وهل الدين إلا الحب". وما أجمل هذه الحصرية .. وهذه الـ(هل) النافية بعمق للإفتراق بين المحبة والعدالة والشركة !!!
ويقول الإرشاد الرسولي: "فلا توجد شهادة بدون شركة، إن الشهادة الوحيدة والحقيقية هي حياة الشراكة". وهل الإصرار على استذكار وخز الشوك إلا نسيان للورد وعطره وجماله.. هو الحرمان.. وجميل أن أذهب الى الآخر لأنه يحتاجني وينتظرني، خيراً أفعل.. لكنّ قداسته يقول لنا إني أنا في حاجة الى الآخر والذهاب اليه أكثر من حاجة الآخر إلي.. هنا يصبح الحب مصنعاً للسلام.. مؤسسة للسلام.. ويصبح السلام فضاء ومناخاً وسماءً لمطر الحب.
اعلم ان في تاريخنا شوكاً واعلم اننا كلبنانيين نعيد استذكار الحرب في هذه الايام ونحاول ان نتعلم منها، واعلم ايضا كم نحن في حاجة لنتخلص منها، ولم نتخلص من امراضها بعد. ولا سبيل الى الخلاص الا سبيل الحب والاعتراف والمبادرة، بهم نتجاوز.. بهم نتخلص من الخوف الذي يصادر حريتنا، ويأسر مشاعرنا ويأسر عقولنا ويعزل الانسان في داخلنا ويشوه صورة الله فينا.
كنا في السابق مأخوذين بفكرة ان لبنان خطأ تاريخي، او صنيعة الاستعمار، كنا نستهين بوطننا مأخوذين بشعارات ظننا انها ارقى من فكرة لبنان ومن انتمائنا الى هذه الدولة… بعضنا استلبته فكرة تقسيم لبنان وآخرون ضم لبنان الى سورية، اليوم كل اللبنانيين يشعرون بفخر انتمائهم الى الوطن، واذا كان لدى البعض افكارا الغائية بالتقسيم او الضم، فانه لا يجرؤ على البوح بها لادراكه ان ما يقوله لم يعد له صدى لدى جموع اللبنانيين.
لا يمل العاشق من الكلام الى معشوقته: يخال نفسه مسحورا وساحرا في آن، هذا حالي في هذا اللقاء. وهذا حالي منذ سنوات، اي منذ ان اتيح لي، بعد تحرير هذه المنطقة من الاحتلال الاسرائيلي، ان اعود كمشتاق الى مشتاقة.
لا اخفي اني اغار منها وعليها.. ازورها دائما.. لي فيها من الاصدقاء من اشاطرهم رغيف الحب ويشاطرونني مائدة الحلم، رحم الله البطريرك خريش، وخليل صادر الذي لا زال يجذبنا الى مجلسه الجميل وروحه الصافية. نختلف معه فنحبه اكثر، اما العزيز حنا دياب فمدرسة متنقلة.. مدرسة الحياة واللياقة واللباقة، حنا المثابر على حماية الدالية الممتدة من عين ابل الى كل بيت في بنت جبيل وعيناتا وشقرا وعيتا وحانين وغيرهم.
لا استطيع ان انسى في هذه اللحظات صديقي وزميلي شربل بركات في هجرته الكويتية، احب حماسته واخلاصه وحريته كما يحب محاولاتي الشعرية. لست في وارد استحضار كل الذين عرفتهم في هذه البلدة وان كنت مقصرا في حقوقهم علي.
اما الاستاذ عطالله فنتعلم منه حب هذه الارض، حب اهلها واكثر.. لم نزل نتعلم منه كيف نرى الضوء حين يبدو الظلم والظلام طاغيان: عين ابل مدرسة ونموذج نتعلم منه.. هكذا كانت وهكذا تبقى بلدة تغار منها القرى وتغار عليها: إبتسموا انتم من عين ابل ونحن نبتسم لأنّنا في عين ابل.
*(مقتطف من نص طويل عن عين ابل ومحيطها والعيش الواحد)

السابق
لرئيس سليمان: على الجامعة العربية والامم المتحدة حماية لبنان من تداعيات الازمة السورية
التالي
عبوة القلمون تستهدف الرئيس نجيب ميقاتي