السفير “يأكل” مذكرات الوزير

ليست هذه المرة الأولى التي ينفي فيها سفير النظام السوري في لبنان علي عبدالكريم علي تصريحات وزير الخارجية عدنان منصور، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتلازم فيها الوزير والسفير في يوم واحد لإطلاق التصريحات الإعلامية. وبينما السفير يكذّب الوزير، فمن سيصدّق الشعب اللبناني منهما؟ فكلام الوزير لا يلبث أن ينكره السفير من دون أن يلتزم الوزير بأي حقّ للردّ، وكأنه بذلك مقتنع بما قاله علي، ليبدو أمام الشعب وكأن علي هو المحقّ لأن الكلمة الأخيرة تعود إليه بما أن الوزير لم يسلّم أي مذكرة احتجاج جدية للخروق السورية..
وعلى عكس ما يراه منصور في التمثيل الديبلوماسي بين لبنان وليبيا بعد الثورة، ما زال مقتنعاً بأن جسور التواصل بين لبنان وسوريا هي النظام السوري المتمثّل بعلي عبدالكريم علي.. ولا فرق يذكر بين مواقف منصور إزاء توجيهات رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومواقفه إزاء تكذيب علي له، فالوزير "إلو تمّ ياكل ما إلو تمّ يحكي"، لا يبالي إن كان الأمر مع الدولة أو ضدّها.. وحين يقرر أن يطلق تصريحاً، يصوّر نفسه وكأنه ذاهب الى معركة مذكرات فيما الواقع أن كلمة رئيس الجمهورية غير مسموعة وأن عرض عضلات "الخارجية" انطلق مباشرة بعدما استقالت الحكومة..
الوزير "يكسر" كلمة الرئيس لإرضاء السفير. هذا ما تعنيه عبارة "باشرت دوائر الوزارة عملها من أجل تقديم مذكرة الى جامعة الدول العربية تسنتد الى إحداثيات والوقائع على الأرض (..)" وهذا كلام رسمي صادر عن الوزير، ما يعني أن العمل بالمذكرة قد يستغرق أشهراً، وعلى الأرجح حتى تشكيل حكومة جديدة. وهذا يندرج في إطار الجهود التي يبذلها بعض الوزراء في الحكومة المستقيلة، يعلنون بدء الأعمال حتى يكون لهم دور في الحكومة المقبلة، بعدما كانوا منشغلين عن هموم الشعب طيلة سنتين من "اللاحكم" الحكومي..
كلام الوزير خلال لقائه مع السفير السوري لا يوازي نسبة 1 في المئة من كلامه في الإعلام.. فليس مستغرباً أن يكون السفير مخيفاً لدرجة لا يمكن للوزير فيها أن يعبّر عن رأيه، كيف لا وهو ممثل بشار الأسد في لبنان الذي يقفل معتقلاته على اللبنانيين في السجون السورية بعدما كان حوّل لبنان الى سجن مفتوح يمنع فيه على المواطن أن يقول رأيه بديموقراطية.. يبدو أنها حال وزير الخارجية الذي لا يزال أسير النظام السوري فيما المواطن اللبناني كسر هذا الحاجز عندما انتفض وطرد الجيش السوري في 14 آذار 2005.
أكّد علي أنه "لم يُبلّغ أي رسالة احتجاج من منصور"، وشدد على أن "سوريا تردّ على مصدر النيران"، وكرّر لازمة النظام السوري منذ عقود "إن بلاده كانت واضحة في موضوع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وقدمت ما لديها الى اللجان التي شكّلت بين البلدين وبعض الذين اختطفوا أو غيّبوا ليسوا من مسؤولية سوريا وما يُحكى عن معتقلين في السجون السورية هو مجرد افتراضات". أترى السفير السوري والوزير المقتنع بكلامه نسيا اللبناني يعقوب شمعون الذي عاد الى لبنان العام الماضي آتياً من سوريا بعد 27 سنة من الاعتقال؟ وهل نسيا أن معتقلين كثراً من سوريين وفلسطينيين أكدوا مراراً في وسائل الإعلام رؤيتهم لمعتقلين لبنانيين في السجون السورية؟
يردّ علي بسؤال "لماذا تبحثون عن جنس الملائكة؟" ويتابع "العفو يشمل أعداداً كبيرة ممن ارتكبوا جرائم جنائية أو جرائم فرار تستحق العفو، وهناك أكثر من سبعة آلاف يشملهم هذا العفو الرئاسي". الكل يستحق العفو في منطق النظام السوري إلا اللبنانيين، حتى مرتكبي الجرائم، وعفو الأسد لن يكون موجّهاً الى اللبنانيين لأنه لم يعترف يوماً بالإساءة الى لبنان، بل إنه بمكره تمكّن من إقناع الممانعين بأن "سوريا ليست مسؤولة". وبمَ سيفيده إطلاق المعتقلين اللبنانيين طالما أن لبنان الشعب والدستور لن يتواطآ معه لمعاونته بما هو باطل..
جنس الشياطين يؤكد وجود جنس الملائكة، والبحث سيبقى مستمراً، ولن يطول الوقت الذي سيظهر بعده المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية أي بعد انتهاء نظام بشار الأسد من سوريا.. أما في لبنان، فالسفير السوري لا يستحق بدوره عفواً، فقد بات ملحّاً منع كل متطاول أسدي من خرق السيادة والدستور، والأمر بات يستحق ثورة وانتفاضة من أعلى الهرم بما يشبه حملة لإعفاء سفير بشار من مهامه!

السابق
اكثر من 60 قتيل ومئات الجرحى بانفجار مصنع للأسمدة في تكساس
التالي
حذار من “أمراض الكومبيوتر”