التأليف المؤجل: مفتاحا سليمان وجنبلاط

لا يزال تأليف الحكومة في أوله. بعد انقضاء أسبوع على التكليف تفتقر مواصفات الحكومة الجديدة إلى توافق عليها، وكذلك خطواتها اللاحقة. لا خوض في الأسماء ولا في الحقائب. ينتظر الأفرقاء المعنيون تصوّر الرئيس تمّام سلام الذي بدا أنه صرف النظر عن حكومة أمر واقع

أتاحت الاتصالات والمشاورات التي أجراها الرئيس المكلف تمّام سلام في الأيام الأخيرة الوصول إلى بضعة اقتناعات حيال تأليف حكومته الأولى:
أولها، أن مرور الوقت ـــ ولم ينقضِ بعد زمن طويل على تكليفه ـــ سيؤخر التأليف أسابيع أخرى بغية بلورة أفكار جديدة دخلت في المسار الذي يسلكه، عززه الاجتماعان اللذان عقدهما سلام مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتوصلهما إلى خلاصة مفادها أنه سيكون من المتعذر فرض حكومة أمر واقع يصدم بها سلام الأفرقاء والاستفادة من عامل الوقت بعدما حدّد الإطارين الرئيسيين لحكومته، وهما تأليف حكومة غير سياسية وحصر مهمتها بإجراء الانتخابات النيابية.
قرن نجاح هذا الهدف بفك الارتباط بين تأليف الحكومة والتوافق على قانون جديد للانتخاب.
ثانيها، دخول معطيات جديدة على التأليف رفعت عدد الوزراء من 14 وزيراً إلى 16، ثم إلى 24، وقد ينتهي الأمر بتأليف حكومة من 30 وزيراً. إلا أن الرئيس المكلف لا يزال يستبعد العدد الفضفاض لحكومته. يصحّ الأمر أيضاً على مواصفاتها. بعدما عبّر عن أمله في تأليف حكومة غير سياسية وإصرار قوى 8 آذار على حكومة سياسية، يكاد يرسو الخيار على صورة مشابهة للجدل الدائر في مجلس النواب حول قانون الانتخاب: تأليف حكومة مختلطة من السياسيين والخبراء على غرار احتمال التوصّل إلى قانون مختلط للانتخاب يزاوج التصويتين النسبي والأكثري.
لم تتلقّ قوى 8 آذار بارتياح سعي سلام إلى حكومة غير سياسية. وكان قد أبلغ إلى أفرقائها، وخصوصاً الرئيس ميشال عون، أنه لن يُوزّر أحداً من باب الكيدية ولا ضد أحد. ويبدو أن الصيغة المختلطة ترجّح مخرجاً ملائماً للأفرقاء جميعاً، من غير أن يوحي بأنه سيقود حتماً إلى تأليف قريب.
طلب سلام من الأفرقاء الممثلين في الكتل النيابية تزويده أكثر من ثلاثة أسماء عن كل مقعد وزاري يُحتمل حصولهم عليه، على أن يتولى هو اختيار أحدها. وهو يحاول بذلك كسر تقليد شاع منذ تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008 بأن تتولى الكتل الكبرى تسمية وزرائها، وفي الغالب تحديد حقائبها والتمسك بها، ومن ثم حصولها عليها. سرعان ما بلغ هذا التقليد ذروة غير مألوفة في تأليف الحكومات ولا يرعاها الدستور مع حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2009 عندما أعلن عون وزراءه في الحكومة قبل أن تصدر مراسيم التأليف من قصر بعبدا.
لم تتكرر المحاولة هذه مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، رغم أن زعماء الكتل هم الذين سمّوا وزراءهم. إلا أن سلام يحاول تجاوز التقليد المتبع برمته. ترشّح الكتل بضعة أسماء ويختار من بينها، فيقاسمها التفاهم على الوزراء ـــ وهو يطمئنها إلى تمثيلها من خلالهم ـــ ولا يضع الصلاحية بين أيدي الكتل تلك كي لا يبدو أنه يتخلى عن اختصاص دستوري منوط به حصراً. وقد لا يكون من السهولة بمكان إمرار هذه المحاولة.
ثالثها، لا يكاد يتقدّم التأليف خطوة جدية وحقيقية رغم مراوحة المشاورات المباشرة وغير المباشرة التي يجريها الرئيس المكلف. لا خوض في الاسماء بعد، ولا في الحصص، ولا كذلك في العقبة الكأداء وهي الحقائب. لم يتعدَّ تداول الاسماء الصالونات، ولم يمسِ على الورق. يواجه الرئيس المكلف ايضاً، في مرحلة لاحقة، مأزق النصاب القانوني لمجلس وزراء حكومته: تطالب قوى 8 آذار بالثلث +1 لها وللفريق الآخر، أو حصولها على مقاعد وزارية موازية لنسبة تمثيلها في مجلس النواب (45 في المئة في مقابل 55 في المئة للفريق الآخر)، بينما ترفض قوى 14 آذار حكومة موزّعة على 3 عشرات لحكومة ثلاثينية، او مثالثة مشابهة لحكومة من 24 وزيراً.
يواجه التأليف ايضاً عقبة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يمسك بمفتاح إبصار الحكومة الجديدة النور ووصولها آمنة إلى مجلس النواب ومن ثم نيلها الثقة. من دونه لا حكومة اللون الواحد اذا اختار التخلي نهائياً عن قوى 8 آذار، ومن دونه لا صيغة لحكومة اخرى في ظل اصراره على مشاركة فريقي النزاع معاً في حكومة وحدة وطنية ترفضها قوى 14 آذار.
رابعها، يتفادى رئيس الجمهورية الدخول على خط التأليف في انتظار ان يقدّم اليه الرئيس المكلف مسودة حكومته. في الاجتماعين المنصرمين لم يقدّمها، بل حدّثه سلام في مواصفات الحكومة والوزراء معاً. وتفادياً للدخول في جدل دستوري حيال الإدارة المشتركة لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف في التأليف، ما دامت الحكومة لا تبصر النور ولا تصدر مراسيمها من دون موافقة رئيس الجمهورية عليها وتوقيعه اياها ـــ وهي صلاحية دستورية غير مجتزأة او مشروطة ـــ ارتأى سليمان ترك الرئيس المكلف يستكمل مشاوراته واطلاعه على تصوّره الاولي.
بالتأكيد، يوازي الدور الدستوري لرئيس الجمهورية في التأليف الدور السياسي لحليفه جنبلاط. يعني ذلك استبعاد سليمان ـــ حتى إشعار آخر على الاقل ـــ توقيع مراسيم حكومة اللون الواحد. خبر نمطها في حكومة ميقاتي بعدما خبر نمط حكومة الوحدة الوطنية قبل ذلك مع السنيورة والحريري، وفي المرات الثلاث على التوالي واجهت الحكومات الثلاث ازمات دستورية وسياسية من جراء تعذّر التوافق بين أفرقائها، انتقلت عدواها إلى رئيس الجمهورية بالذات بشلّ جزء من صلاحياته الدستورية تبعاً لمراعاته التوازن السياسي داخلها.
لم يحل امتحان رئيس الجمهورية الحكومات المتعاقبة دون اصراره على الرئيس المكلف التوسّع في مشاوراته مع الاطراف المعنيين بغية انجاح مساعيه في التأليف. لم يُبدِ ايضاً حماسة بإزاء حكومة الأمر الواقع، رغم تحبيذه إياها غير سياسية، ولم يتوخّ من المشاورات سوى المظلة السياسية الواسعة من قوى 8 و 14 آذار لحكومة يفضل ألّا يتمثلوا فيها مباشرة.
وخلافاً لما اتبعه في الحكومات الثلاث تلك، عندما زامن جهود الرئيس المكلف في التأليف بحضّ معاونيه على اقتراح لائحة بأسماء ملائمة لتداول توزيرها، لم يطلب سليمان هذه المرة اقتراحهم اللائحة تلك، تاركاً المبادرة بين يدي سلام تحضيراً لتحوّله شريكاً فعلياً عند الخوض في التشكيلة النهائية.

السابق
بري مطمئن لجنبلاط
التالي
لعبة العويل والتهويل والتعويل