رسام الكاريكاتير الفلسطيني نمر عويص: رسوماتي لتبقى فلسطين

هو ليس ناجي العلي ولكنه أقرب الى فكره ومنطقه وحتى رسوماته، فخيوط الألوان في لوحاته تقرأ فلسطين، القضية والحرية والصمت، يبحر في عالم فني كاريكاتوري، يقدم من خلاله أفكاره وأهواءه ورغبته في إحياء فلسطين، فعبره يتحول الرسم الى نقدي بارز بهندسة المزج بين فكرين ومنطقين يلتقيان عند نهج نمر عويص إبن الخامسة والستين عاماً الذي جنّد قلمه ولونه لخدمة "نقد العروبة الفنية" ما عكس نوعية جديدة من "جدلية الكاريكاتور".
"في الغالب بدأ الفن يأخذ حيز الثورة المضادة لثورة الشعب" فعبره "يتسنى لك ان تعبر بديمقراطية عن فكرك ورأيك ومنطق الثورة" يقول عويص مضيفا "عبر لوحاتي تمكنت من أن أصنع هوية جديدة لرفض الإرتهان" وهذا ما تعبر عنه رسوماته المتنوعة إذ "استمديت نبضها من تأثري الكبير بناجي العلي الذي أوصلته رسوماته الى الموت"..

أنماط مختلفة
في منزل عويص في وادي الزينة، والذي حوّله الى محترف صغير لرسوماته وابداعاته، يتسنى لك أن تتعرف على "فكر الرسم النقدي" عند إبن بلدة عكا، رسمُ يخطه تارة على أوراق وطوراً يحفرها على جذوع زيتون "لما لها من قيمة في نفسه "تموت وهي واقفة". داخل المحترف تتعرف على أنماط مختلفة من الرسم، بل تدخل الى عمق التغير أيضا الذي جسده عويص في طريقة الرسم والنحت في جذوع الزيون "سخرت عمري كله لأجل رسالتي المثلى "فلسطين" إذ فرّغت وقتي كله لرسمها على طريقة التجريد".
يرتكز فن عويص على كاريكاتور متحرر من التقليد لا يقوم على قاعدة ثابتة بل الإنسان وحده الأساسي والسياج يحكي قصة حصار لم يأفل نجمه حتى حين، لقد نقل عويص معاناته الى صور رسمها على الزيتون ايضا "فالزيتون يعني الموت بكرامة لذا اعتمدتها لأنها ستحيي لوحاتي التي غلب عليها النَفس الفلسطيني القادم من خلف الحصار"…

لوحة كبيرة
يملك عويص حساً فنياً راقياً جداً، ويعتمد في رسمه على القش والعيدان والاسفنج كأدوات للتلوين، أما فضاءات رسمه فتعددة بين جدران المدراس والمنازل وجذوع الزيتون". ورسمه لا يمت الى الإستسلام بصلة فهو واقع بسيط "أُكبِله بألوان وفكره وهدف ثم أقدمه الى الأخر لكي يقرأ الفن بعيون صامتة"، لا يخفي عويص تأثره بناجي العلي، تأثر برز بشكل جلي في نمطية رسمه ما حذا به لإعادة رسم لوحات أكثر من مرة على القماش إذ "رسمت أكبر لوحة تصل الى 36 متراً وعليها 28 لوحة من رسوماته، وفي ذكرى النكبة منذ عامين" لا تتوقف طموحاته هنا بل حثّ طلابه على مشاركته في رسم لوحة بطول 17 متراً وعرض مترين ونصف المتر جمعت الرسم مع التراث والتعبير، فخلقت حالة من التفاعل مع القضية وعدم نسيانها، أردت أن أستثمر ذاكرة الكبار مع الصغار وهذا يخلق تماذجاً ثورياً، يتناقله الصغار عن الكبار كي لا تموت ذكرى فلسطين فكل جيل يأتي يتمسك بها أكثر".
إن التوجه ناحية الفن للتعبير "عن وجع الظلم بات رائجا في هذا الفترة" حسب قول عويص الذي يؤكد أن "تسليط الضوء على قضية ما بالفن الصامت كالرسم والنحت والكاريكاتور له وقع قوي على المشاهد، لقد فعلت رسوماتي فعلها في الاطفال والشباب والكبار، تمكنت من أن أحرك داخلهم اللهفة الى التعبير بالرسم، ونجحت"، مضيفا "فعندما أجسّد فلسطين وأعبّر عن القضية، أشعر بأنني قدمت شيئاً لوطني ولأولادي وأحفادي، فحفيدتي سارة (عمرها 6 سنوات) تعيش معي، وهي ترسم مثلي، وكأنها باتت تعشق فلسطين منذ الآن".
يتأتى عن فن عويص أكثر من دلالة أولها السلاسة وثانيها خلوها من التعقيد وثالثا والأهم انها تنقل فكر عويص الى "الكلام الصامت" فهذا ذو حدين بنظره، يعيش عويص ضمن منطق الصوَر، يمضي ساعات معها فهو الرسام الذي نشأ في كنفها ودرَسها في المدارس، مُحفزاً طلابه على تعلمها "لانها مصدر تعبير دون قيود".

تراث
ففي ظل الأزمات العربية المستجدة يرى عويص أن "الرسم أصدق إنباءً من الكلام لنقل الواقع" في رسوماته تقرأ القهر واﻹنكسار ومعه الحصار، تلمس الحنين والإشتياق لفلسطين "أحاول أن أرسم نفسي في كاريكاتور ونفسي هي فلسطين التي أنقل وجعها الى جذع الزيتون فيبكي ألوانا ضمن الحصار الذي لن افك قيده من منحوتاتي حتي يفك قيدها" عهد يقطعه على نفسه "أجهد لنقل الفكر القومي العربي الى طلابي فأنا أستاذ رسم أحاول عبره استفزاز العقل الشبابي لكي يتحمل مسؤوليته العروبة" لقد شكل عويص نوعاً أخر من الفن في حبكته لسيناريو الرسم.
في الغالب يقف الفن عند أعتاب التزاوج بين النقد والإبداع، "وما بينهم تكمن القيمة التي ينطلق منها، أيا تكن زاويتها" يقول عويص الذي داس على كل الإعتبارات التي تعترض سبيل كاريكاتوريته التي يقدمها على نمط نقدي لاذع ولكنه صامت، إذ يقول إن "الكاريكاتور اليوم أكثر بلاغة في التعبير عن القضية وإن بصمت، فصمته هذا ذو حدين، عبره تمكنت من إدخال نفس القضية الى جعبة الواني، دفعت بها لتجسد القهر والظلم المتآتي من الإضطهاد والتعسف الذي تقبع تحت وطأتهما فلسطين".
رسوماته ليست للبيع فهي تراث يقول "كل لوحة هي جزء مني أقدّمها هدايا من أجل الحفاظ على تراث فلسطين، وكي تبقى حية في الذاكرة، بعيداً عن مشاكل الدنيا وهمومها وشجونها".•
شارك عويص في العديد من المعارض أبرزها معرض "الفن في عيون أطفال فلسطين" الذي أقامته وزارة السياحة إضافة الى معارض أقيمت في مخيم عين الحلوة، وأرسم ديكورات المعارض، وإذ يؤكد أنه "ليس لديّ مشروعاً خاصاً بالرسم، ولكن أتمنى أن يكون لديّ معرض أو محترف دائم، فهدفي الآن ابقاء جذور القضية حية في نفوس كل الأجيال الموجودة والناشئة، علماً انني قمت بإعداد دراسة عن بلدتي المنشية، حيث استعنت بوالدي وبكبار السن الذي أسهبوا بالحديث عن القضية الفلسطينية، وقد قدّمت الدراسة الى إحدى الجامعات الأميركية"•
بإختصار الفن اليوم كما الرسم كما النحت هو وجه اخر من ثورة قادمة نحو فك أسر الكلام ولكن بصمت فهل سيكتب له النجاح أم سيكبل بأفكار تعيق تقدمه؟
  

السابق
الإبراهيمي لتعديل دوره كوسيط دولي للسلام في الصراع السوري
التالي
الجيش : تفجير قنابل عنقودية في بلدات الطيري دبل مجدل زون والحلوسية