حزب الله يغرق في فييتنام سوريا

وكأن قدر لبنان أن يعيش على حافة الخطر دوماً، نتيجة فلتان حدوده، تارة مع إسرائيل، وطوراً مع سوريا، وإن كان مفهوماً أن المواجهة على الحدود الجنوبية على تخوم دولة عدوة أمر لا بد منه، إلا أنه من المستغرب جداً فتح جبهات على الحدود اللبنانية السورية في البقاع والشمال، بسبب تدخل "حزب الله" في القتال الدائر داخل الدولة المجاورة الى جانب نظام بشار الأسد، والذي يبحث كما يبدو عن مواقع بطولية جديدة ليؤكد أنه الحزب الأقوى ومتوهماً أن سلاحه قادر على الانتصار حتى على الشعب السوري الثائر، وأنه يستمد ألوهيته من سفكه دماء الأبرياء في قرى حمص، وكأن هذه المنطقة وريف دمشق والست زينب حيث تنتشر عناصره المقاتلة إلى جانب قوات "الحرس الثوري الإيراني" التي دربته وحددت له مهماته في المنطقة، "فييتنام" أخرى، إلا أن "حزب الله" لا يدرك، أن ميليشياته المنتشرة هناك لن تستطيع الانتصار على أهل الأرض، مهما ملكت من قدرات قتالية وأسلحة، فمستنقعات سوريا ليست أقل من مستنقعات فييتنام التي أغرقت الجنود الأميركيين بالهزائم.
لقد شرّع تدخل "حزب الله" في سوريا الأبواب العريضة للرياح العاتية القادمة من الصراع السوري، وأفسح في المجال أمام اعتداءات شنّها شبيحة الأسد طوال السنتين الماضيتين على الحدود قتلاً وخطفاً وقصفاً وتوغلاً وزرع ألغام، وأدى انفضاحه وتبجحه بمساندة النظام السوري وأخذ الصور العلانية لمقاتليه داخل الأراضي السورية وإصدار بيانات عن احتلال تلة أو موقع في منطقة القصير في بيانات رسمية، بعد أن كان يعطي مبرراً لتدخله حماية القرى الشيعية، إلى "إنفلات الملق" على الحدود وتعريض أهالي قرى الهرمل للمخاطر، نتيجة قيام عناصر من المعارضة السورية بالرد بالقصف على قرى يتواجد فيها الحزب ويرسل عناصره منها إلى الداخل السوري, مثل بلدة القصر التي يتردّد أنها تحوي سجناً يتم فيه اعتقال معارضين سوريين على أيدي عناصر الحزب، كما تحصل تدريبات في قرى بقاعية مجاورة للعناصر القتالية التي تتوجه إلى سوريا لحماية النظام.
اللعبة المكشوفة، مرجحة للتصاعد ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة برد "حزب الله" عن غيه في سوريا، وتسليم سلاحه، وما لم تتم عملية ضبط الحدود بإرادة داخلية وبقرار محلي وإن تعذر بقرار دولي يوسع مهمات قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" في لبنان وفقاً للقرار 1701 لتنتشر على الحدود اللبنانية السورية وتمنع التحركات العسكرية والاعتداءات من أي جهة أتت حماية للبنان وللبنانيين من قوات النظام السوري ومن تدخلات مقاتلي المعارضة الذين لا يضبطون أنفسهم في المعارك ويستهدفون المناطق اللبنانية من أجل منع "حزب الله" من تنفيذ عملياته في سوريا.
تحرّك لبنان تجاه الاعتداءات السورية على المناطق الحدودية لمعالجة هذا الملف نتيجة التطورات الضاغطة، وتقرر إرسال مذكرة احتجاج إلى جامعة الدول العربية التي لا تزال تنتظر لإعدادها وتقديمها، همّة وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة عدنان منصور الذي يناور في الموضوع كعادته.
في ظل هذه الصورة، يعتبر منسق "تيار المستقبل" في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش أنه "طالما أن الوضع الداخلي لم يلتزم بسياسة النأي بالنفس حقيقية تجاه الوضع في سوريا، ولم يتم سحب مسلحي وميليشيات "حزب الله" من داخل الأراضي السورية، وأيضاً لم يتم وقف تسلل مسلحين وبعض السلاح من أطراف أخرى تدعم الثورة السورية من خلال تنفيذ القرار 1701، فسنكون معرضين لمزيد من الاعتداءات من النظام السوري وقد يعتدي أيضاً "الجيش الحر" على الأراضي اللبنانية كرد على استهدافه من قبل "حزب الله".
ويرى علوش أن "إرسال مذكرة الى الجامعة العربية سيغير من المعطيات حتى ولو كانت مذكرة شديدة اللهجة أو تطالب بإجراءات، لأن المسألة خارج نطاق المعالجة المحلية والديبلوماسية، والثورة في سوريا تعدّت مراحل الوسائل الديبلوماسية واتخذت نمطاً عسكرياً زاد التدخل الإقليمي والدولي، في لبنان إذا لم ينسحب "حزب الله" من سوريا".
وحول موقف الائتلاف السوري الذي دعا لمنع "حزب الله" من شن العمليات داخل سوريا، يقول: "كل قوى الثورة السورية تعرف بأن الحكومة اللبنانية محكومة بأمر واقع هو سلاح "حزب الله" وهذا الأمر يؤدي إلى أن تكون الحكومة أي حكومة مرهونة لقرار القوة التي يمكن أن يستخدمها "حزب الله" في لبنان".
وعن إمكانية النجاح في نشر الجيش اللبناني والقوات الدولية وفقاً للقرار 1701، أوضح علوش أن "القرار 1701 تحدث عن مساعدة الجيش اللبناني على فرض سيادته على الحدود من دون تحديد، ولم يذكر الحدود اللبنانية السورية ولكن مسألة ضبط الحدود وعمليات تهريب السلاح واردة والاجتهاد الذي يمكن أن يحصل هنا، هو كيفية التعامل مع الأمر، فإذا كان الجيش اللبناني قادراً على ضبط الحدود فلا داعي لتدخّل أي قوة دولية، أما إذا كان الجيش اللبناني غير قادر فإن من حقه الطلب من القوة الدولية وفقاً للقرار 1701 المساعدة عبر التوجه إلى مجلس الأمن لتوسيع مهمات "اليونيفيل".
ولا يرى أن "رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقيادة الجيش مع التوجه إلى مجلس الأمن للقيام بهذه الخطوة"، موضحاً أن "فخامة الرئيس مدرك بأن هناك معطيات محلية هي وضع سلاح "حزب الله" لا تسمح في الوقت الحالي لمثل هذا القرار، وينتظر اللبنانيون الوصول لحل مشكلة السلاح، وفيما بعد معالجة وضع الحدود".

السابق
محاكمة محمود حايك غيابياً في 3 حزيران
التالي
زيتون معمَّر في الجنوب.. للتزيين