الأمة العربية في خطر

إذا كان القلق على مصر واجباً في المرحلة الراهنة، فهو على العرب أوجب. ولئن كانت مصر تواجه أزمة فالعرب على أبواب كارثة.

المنطوق أعلاه خلاصة لمحاضرتين دعيت إلى إلقائهما بالمملكة المغربية، إحداهما بمعرض الكتاب عن «الربيع العربي» في الدار البيضاء، والثانية عن سيناريوهات المستقبل في منتدى للمثقفين بمدينة المحمدية. لم أفاجأ بالقلق الذي عبر عنه كثيرون ممن التقيتهم في المغرب، فنحن في مصر نعيش القلق بدرجة أخرى.
وجدت أن هناك تداخلا في التقييم بين الثورة والحكم. وسواء كان ذلك متأثراً بالحملات الإعلامية التي ما فتئت تنفر الناس من الثورة وتنسب إليها كل نقيصة، أو أنه كان طغياناً من جانب أخبار أزمة الحكم أنسى الناس ما أنجزته الثورة.
كان السؤال الذي حاولت الإجابة عليه هو: لماذا تعثر الحكم الذي جاء بعد الثورة؟
أرجعت أزمة الحكم إلى عوامل عدة في مقدمتها ما يلي: التوتر التقليدي الذي يحل في أعقاب أي ثورة أسقطت نظاماً وسعت إلى إقامة نظام بديل، التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق جراء تدميره للسياسة والاقتصاد، فضلا عن مؤسسات الدولة والمجتمع، الإدارة غير الناجحة من جانب الرئيس محمد مرسى وفريقه، الأداء المفتقد إلى النضج من جانب عناصر المعارضة، انقسام الجماعة الوطنية ونشوب حرب أهلية باردة بين مكوناتها، دور بقايا النظام السابق المتحالفة مع أركان الدولة العميقة، الانفلات الأمني الذي له دوره الأكبر في التأثير على النشاط الاقتصادي والضغوط الخارجية التي مورست من خلال قنوات عدة كان أبرزها الحصار الاقتصادي والحملات الإعلامية.
أغلب هذه العوامل كان متوقعاً ومنها ما كان مفهوما، أما ما كان مفاجئا فقد تبدى في نهج إدارة الدولة، الذي قلت إنه لم يحقق النجاح المرجو منه. حيث اتسم بالبطء والتردد، كما أنه لم يمارس بالشفافية المطلوبة، الأمر الذي أحدث فجوة بين السلطة والمجتمع، استثمرت في تعكير الأجواء ومن ثم تعطيل المسيرة.
لقد أدرك الجميع في مصر الآن أن «الإخوان» إذا كانوا قد نحجوا في تسيير الجماعة خلال العقود التي خلت، فإن النجاح لم يحالفهم في تسيير المجتمع وإدارة شؤونه، وهذا هو جوهر الأزمة الراهنة التي أوصلت مصر إلى حالة أقرب ما تكون إلى الانسداد السياسي. وتلك حالة متقدمة للأزمة، يتطلب حلها درجة عالية من الحكمة والجرأة وبعد النظر. إلا أن شواهد الحال لا توحي بتوافر تلك العناصر، في الأجل المنظور على الأقل.

كررت أكثر من مرة أن تلك المثالب تحسب على الحكم وليس على الثورة. وأضفت أن الحكم إذا كان قد تغير أو بسبيله إلى التغير في بعض الأقطار، إلا أن الثورة تظل أعمق وأبعد مدى بكثير من الحكم. فتجلياتهـا تجــاوزت حـدود الأقــطار الأربعــة أو الخمسة التي تغــير فيـها الحــكم أو تزلزل، تمـاماً كما أن تجلياتها التي ظهـرت إلى السـطح أقل بكثير من تلك التي استقرت في الأعماق. وما ظهر على الســطح رآه الكثيرون ويتابعه سيـل الأخــبار والتــقارير التي تروج لها وسائل الإعلام ليل نهار. أما ما هو تحت السطح، وما أعتبره الأهم والأكثر فاعلية، فهو روح التمرد التي سلّحت المواطن العادي بجرأة دفعته لأن يرفع صوته عالياً محتجاً على القهر والفساد والظلم الاجتماعي.
هذا التمايز دفعني إلى التفرقة بين ما أسميته بالربيع الصاخب ونظيره الصامت. إن الصاخب هو الذي أعلن على الملأ وأدى إلى تغيير الأنظمة السياسية في بعض الأقطار. أما الربيع الصامت فهو ذلك الذي يعبر عن نفسه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم تداولها في هدوء، ومن دون أي صخب معلن، وهدفه إصلاح الأنظمة وليس تغييرها. وهو ما يسوغ لنا أن نعتبرها نموذجاً للربيع الإصلاحي لا الثوري.
كثيرة هي القرائن الدالة على أن ثمة متغيراً مهماً في الوجدان العربي يتعين الانتباه إليه واستثمار ايجابياته، الأمر الذي يعنى أن ما سمي «بالربيع العربي» هو بمثابة إعلان عن متغير تاريخي في المنطقة، يضعها على عتبات طور جديد في مسيرتها، يتجلى فيه إصرار المواطن العربي على الدفاع عن كرامته وحقه في المشاركة والعدل الاجتماعي.

السابق
عندما يدوس المالكي على خصومه
التالي
الأسد يصدر عفواً عاماً عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ اليوم