وصفة للتدخل الخارجي

يتجاوز اللاعبون في الحرب السورية "الخطوط الحمر" الأميركية والدولية. يتبادل نظام الرئيس بشار الأسد والجماعات الثائرة عليه اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية. يناقش المعنيون سبل التعامل مع "مسلمة" الصعود الكبير لـ"جبهة النصرة لأهل الشام" المرتبطة بتنظيم "القاعدة". تكتمل في سوريا عناصر التدخل الخارجي. لم يعد استخدام الأسلحة الكيميائية موضع اتهامات متبادلة فحسب ومجرد ادعاءات بين السلطات في دمشق والقوى المعارضة لها. خرج من سوريا أشخاص عانوا أعراضها أو عاينوا آثارها. يبدو كذلك أن وحدات "كوماندوس" أجنبية تمكنت من جمع عينات من حادثة خان العسل في حلب وحوادث أخرى في منطقة الطيبة وغيرها من حمص وحتى من دمشق. يتحدث ديبلوماسيون في الأمم المتحدة عن "أدلة صلبة" على استخدام متفرق وعلى نطاق ضيق نسبياً حتى الآن لهذه الأسلحة المحرمة دولياً. يخشون أن تكون هذه محاولات لتحويل "الخطوط الحمر" أولاً "خطوطاً زهرية" تمهيداً لمحوها تماماً عندما تدعو الحاجة. يذكّرون بأن النظام السوري استخدم هذا الأسلوب المتدرج في استخدام أسلحته الثقيلة، المدافع والدبابات والطائرات الحربية، ضد التجمعات السكنية. صار استخدام صواريخ "سكود" وغيرها من الأخبار اليومية العادية في هذه الحرب.
باشرت مهمة تقصي الحقائق في الإدعاءات عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا تحقيقاتها في تقارير دمشق عن حادثة خان العسل خصوصاً. تشير المعطيات الأولية بالفعل الى وجود مكوّنات كيميائية في المكان. غير أن البعثة لن تدخل في لعبة توجيه أصابع الاتهام الى هذا الطرف أو ذاك. تحتاج أيضاً الى التحقق مما إذا كان هذا ناجماً عن "سلاح كيميائي" أو عن "عناصر كيميائية ركبت على سلاح غير كيميائي". ينتظر التحقيق على الأرض توصل السلطات السورية والأمانة العامة للأمم المتحدة الى اتفاق يسمح بذلك. يدرك الجميع أن سوريا لا تزال خارج معاهدة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، على غرار خمس دول أخرى هي أنغولا ومصر وكوريا الشمالية والصومال وجنوب السودان، فضلاً عن اسرائيل وميانمار اللتين وقعتا المعاهدة من غير أن تصادقا عليها.
لم تكن كل المشاهد المخيفة عن بطش نظام البعث كافية. كأن سوريا ينقصها ارهاب سوق السيوف وجزّ الرؤوس. جاءتها "جبهة النصرة لأهل الشام" برجال الكهوف. ثابرت سوريا الأسد كثيراً على صنع بعبع الإرهاب ورعايته في العراق وسواه. غير أن هذا تحوّل أخيراً مارداً يهدد كل المنطقة والعالم، بالإضافة طبعاً الى سوريا. يخشى المجتمع الدولي انتقال بعض مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية الى الأيدي القذرة لتنظيم "القاعدة" وحلفائه. لا خلاف في مجلس الأمن على هذا الخطر. ترسم المنطقة خطوطها الجغرافية الجديدة بعمق الخلافات العرقية والدينية والثقافية والحزبية. وداعاً للخرائط القديمة. غير أن النظام البعثي الذي تاجر بأن الحريّة صنيعة الاحتلال والاستعمار، غشّ العالم بدعم حركات التحرر، وها هو يتمم الآن وصفة التدخل الخارجي.

السابق
الأسير: “تفو” على الجيش اللبناني
التالي
السؤال.. ما هو شكلها؟