السؤال.. ما هو شكلها؟

كلّ التطوّرات منذ استقالة الرئيس نجيب ميقاتي تفيد بأنّ رغبة «حزب الله» بفكّ الاشتباك لن تقف عند حدود تكليف الرئيس تمّام سلام بل ستتوّج بتشكيل الحكومة.

لا مفرّ من تشكيل الحكومة الذي سيأتي كنتيجة طبيعية للتطوّرات التي سبقته وكانت وراء إعادة خلط الأوراق السياسية، كون الاكتفاء بالتكليف دون التأليف لا يفي بالغرض المطلوب من وراء التغيير الذي أراده "حزب الله" لإبعاد شبح الفتنة الذي كان بدأ بمحاصرته، وبالتالي التشكيل هو تفصيل، فيما الأساس يبقى في شكل الحكومة العتيدة.

فشدُّ الحبال القائم منذ تكليف سلام يدور حول طبيعة الحكومة بين فريق يريدها "وطنية" وآخر يريدها تكنوقراط-حيادية، فيما الرئيس المكلّف بدا أقرب إلى حكومة سياسية-حيادية مطعّمة بتكنوقراط، تجمع بشكل أو بآخر بين مطلبَي الفريقين، وكان الاتّجاه نحو تأليف سريع حدوده السبت الماضي بضمّ شخصيّات لا تستفزّ أحداً، وفي الوقت نفسه لها حيثيتها داخل بيئتها، أو بالحدّ الأدنى ليست معادية لهذه البيئة.

ولكنّ فريق 8 آذار الذي لمس هذا التوجّه لجأ إلى ثلاث خطوات: الأولى إعلامية مغزاها بعث رسائل تصعيدية واضحة لسلام تحت عنوان: "هل ينقلب سلام على التكليف بتأليف أحادي"، و"رفض تسليم الوزارات"، ودعوة لفتح "حوار استراتيجي مع السيّد حسن نصرالله تسبق التشكيل"، و"أيّ حكومة أمر واقع مرفوضة جملة وتفصيلاً"، و"لا تجرّبونا في هذا المجال"…

والخطوة الثانية دعوة النائب وليد جنبلاط إلى الالتزام بتعهُّده رفض إعطاء الثقة لأيّ حكومة غير "وطنية"، وهذا ما أبلغه رئيس الاشتراكي إلى رئيس الجمهورية.

والخطوة الثالثة تمثّلت بالوفد الـ8 آذاري الذي زار سلام وأبلغه تمسّكه في المشاركة مباشرةً بالحكومة كحدّ أدنى، أو تسمية الوزراء العائدين لفريقه كحدّ أقصى، رابطاً معه نوعاً من نزاع سياسي قوامه الاتّفاق على لقاء آخر مع الرئيس المكلّف لمتابعة البحث، ما يجعل التشكيل قبل انعقاد هذا اللقاء تحدّياً لهذا الفريق، فيما اللقاء الثاني سيجرّ إلى ثالث ورابع…

ولا حاجة للتذكير بأنّ 8 آذار يفضّل حكومات الوحدة الوطنية، وكان سعى قبل تشكيل الحكومة الميقاتية إلى ضمّ 14 آذار إليها على قاعدة غالب ومغلوب طبعاً، وتمسّكه بهذه الحكومات نابع من حاجته إلى الغطاء الوطني الذي توفّره له، وخصوصاً في الظرف الحاليّ، حيث الحزب مُتهم بالتورّط في بلغاريا وقبرص والخليج وسوريا، وبالتالي المساكنة معه في الحكومة والحوار تمدّه بالشرعية وتحصّن وضعه حيال الخارج الدولي ولا سيّما الأميركي.

وقد حاول فريق 8 آذار تصوير التأليف من دونه وكأنّه تحدٍّ له، ولكنّه في الحقيقة لم يكن كذلك، لأنّ الحكومة التي يزمع تشكيلها خالية من أيّ تمثيل لـ8 و14 آذار، والهدف من تصوير الأمور على هذا النحو دفع الرئيس المكلّف إلى التراجع عن تصوّره للحكومة العتيدة بغية إعادة اعتماد التصوّر الآخر.

والخشية كلّ الخشية أن يكون تشكيل الحكومة دخل في النفق المظلم الذي سيبقي التشكيل معلّقاً إلى حين موافقة سلام على مطالب 8 آذار بحكومة وحدة وطنية يختارون فيها وزراءَهم وحقائبَهم، الأمر الذي يعني عودة "حليمة إلى عادتها القديمة" من تعطيل وعرقلة وتفشيل…

وإذا كان من حقّ 8 آذار التهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور، فمن حقّ الرئيس المكلّف في المقابل أن يتقدّم بتشكيلته إلى رئيس الجمهورية ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم، خصوصاً أنّ لا حجّة لجنبلاط لعدم منحها الثقة، و8 آذار لإسقاطها في الشارع نظراً لكونها غير استفزازية ولا تشكّل تحدّياً لأحد، فضلاً عن أنّ ميزان القوى بين تكليف ميقاتي وسلام اختلف لمصلحة 14 آذار، هذا الميزان نفسه الذي دفع "حزب الله" لفكّ الاشتباك وترييح اللعبة السياسية، وبالتالي من غير مصلحته أن يقدم على التسخين إلّا في حال كان "رأسه" في "الدَق"، الأمر غير القائم…

وفي حال فعلت الضغوط من كلّ حدب وصوب على سلام فِعلها، فسيلجأ إلى تشكيلة تسمّي فيها القوى السياسية مرشّحيها من غير الحزبيّين وغير المرشّحين للانتخابات. إنّما الحكومة في النهاية ستتشكّل، ولكن يبدو أنّ شكلها سيختلف بين رؤية الرئيس المكلّف لها لحظة تكليفه وبين لحظة التشكيل.

السابق
وصفة للتدخل الخارجي
التالي
حكومة التبريد.. لا توافق