خلدة – الناعمة: خطوط تماس قائمة

الامتداد الساحلي من خلدة الى الناعمة ليس مدخلاً إلى الجبل والجنوب فحسب، وأهميته السياسية الاستراتيجية تصاعدت في السنوات الأخيرة مع تزايد وتيرة الهجرات السكانية من بيروت والضاحية الجنوبية للسكن في مناطق كبشامون ودوحة عرمون وخلدة والناعمة، وبالتزامن مع الانقسام السياسي الحاد بين 8 و14 آذار.
يشكل ذلك الإمتداد الساحلي العصب الحيوي لمناطق تعج بالاختلاف الطائفي (السني والشيعي والدرزي) والسياسي (تيار المستقبل وحزب الله وحركة امل والسلفيون والحزب التقدمي الاشتراكي والارسلانيون)، وأخيرا بالنازحين السوريين المعارضين والموالين.
في زمن الانقسام الحاد الذي تلا اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عرفت هذه البقعة الجغرافية الواقعة على أكتاف العاصمة الجنوبية، توترات حزبية وطائفية مستمرة، كانت ذروتها في احداث 7 ايار 2008. حينها تمكن حزب الله من السيطرة الامنية على بشامون ودوحة عرمون وخلدة، لتبقى في يد مناهضين للحزب في الناعمة ورقة قطع الاوتوستراد الساحلي المؤدي الى الجنوب.
التوترات الحزبية استمرت بعد ذلك التاريخ، حوادث أمنية بالجملة، اشكالات بين شبان حول تعليق اعلام حزبية وصور، تنازع على مناطق نفوذ في الاحياء، وتحد بين الاطراف أدى السنة الفائتة الى مقتل كمال الشيخ موسى، قائد مجموعة من شبان الاحياء ومقرب من "تيار المستقبل"، بعد اشتباك مع مناصر لـ"حزب الله".
الاستتباب الامني النسبي الذي كرسته معادلة التنسيق بين "حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي وانسحاب "تيار المستقبل" من الصورة، عاد الى الاهتزاز في زمن الثورة السورية.
تصاعد دور الاسلاميين، وصارت عادية مشاهدة اعلام السلفيين مزروعة في اكثر من حي وساحة، الشيخ احمد الاسير زار المنطقة وألقى دروسا وزرع مناصرين فيها ولاسيما في دوحة عرمون والناعمة التي تعتبر اليوم مركز ثقل للسلفيين.
في المنطقة نفسها التي شكلت وجهة للنازحين السوريين من الطبقة الوسطى ومن العمال، برزت الثورة السورية استحقاقا على الارض، زرعت أعلامها هنا وهناك، وارتفعت معنويات أنصارها الذين عاد بعضهم من شبان الاحياء الى تحدي "حزب الله" وتذكيره بمعادلة القوة على الارض عبر زرع علم سلفي هنا او هناك، وكتابة شعارات مؤيدة للثورة ومناهضة لبشار الاسد على الجدران، ولاسيما في دوحة عرمون وبشامون وخلدة حيث الاختلاط الاسلامي.
في هذا المشهد العام، تتداخل خطوط التماس وتتشابك بين منطقة واخرى وشارع وآخر، بين مبنى ومبنى، وأحيانا قد تصادف خط التماس في المبنى نفسه!
هكذا يقطن في مبنى واحد في دوحة عرمون مناصرون لأحمد الاسير ولـ"حزب الله"، ونازحون سوريون موالون ومعارضون في مشهد بالغ الرمزية!
تشهد المنطقة إرتفاعا كبيراً في أسعار العقارات وحركة تجارية غير مسبوقة ولاسيما منذ محطتي حرب تموز وأحداث 7 ايار. الضجة السكانية وضوضاؤها اللتان يمكن ان تحكيا في الظاهر، وفي الأيام العادية عن معادلة سلم اهلي راسخ يسخّف الخوف من التناحر الطائفي، سرعان ما تتداعى في لحظات، هكذا كان الوضع في محطات كاستشهاد وسام الحسن، حين خرج الغاضبون لقطع الطرق وقابلهم في الشارع محتجون على الغضب.
هشاشة معادلة السلم الأهلي في هذه المنطقة تنهل أيضا من شائعات لا تنتهي عن مشاريع تمدد حزبي وتعديل في الديموغرافيا ومخططات عسكرية واستراتيجية تحاك، وعن خلايا نائمة هنا وهناك. فأحداث 7 أيار التي توقفت عند بوابة الجبل تبقى خزان الوعي الشعبي لأحداث يمكن ان تحدث في لحظة ما يتم فيها الضغط على زر القرار السياسي، حتى ذلك الحين، تبقى خطوط التماس قائمة وافتراضية في آن واحد.  

السابق
صيدا مدينة الستة آلاف سنة في أيد أمينة
التالي
الضحكة التي دمرت الطفل