تجربة تعليم الطلاب السوريين النازحين في منطقة صيدا

يبدو أن متابعي أوضاع النازحين من سوريا في منطقة صيدا قد استفادوا من تجربة الآخرين، فنفذوا خطة تربوية جديدة من المحتمل أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية في المستقبل، وخصوصاً أن اتحاد المؤسسات الإغاثية في صيدا ومنطقتها استطاع تأمين مقاعد مدرسية إلى نحو 2000 طالب سوري يعيشون حالياً في منطقة صيدا.
أمجد، طالب نزح من دمشق منذ أول تموز 2012، يدرس في الصف الثالث ثانوي أدبي في المدرسة التي أقامها اتحاد المؤسسات، ويتلقى الطلاب المواد المدرسية وفق المنهاج السوري. يقول أمجد :"أنا مرتاح جداً في المدرسة، وخصوصاً أن الأساتذة سوريون أيضاً، وقد حصلت على بطاقة ترشيح للامتحانات، وأرجو أن يكون الوضع جيداً حتى يتسنى لي العودة إلى دمشق لاجراء الامتحانات".
حنين إلى الوطن
ويضيف أمجد :"على الرغم من كل ذلك، فإني أرغب بالعودة إلى دمشق لكني لا أستطيع، إنني أفتقد لكل شيء هناك، للشوارع، لباب توما والقصاع، للأكل الشامي، للسهرات وللحياة المستمرة ليلاً نهاراً. ولكن أعتقد أن الشهادة المدرسيّة هي أهم شيء بالنسبة لي حالياً". يصمت لحظة، ويكمل :"يعتقدون أن الحرب يمكن أن تحل المشاكل، الحرب تدمر ولا تحل المشكلة بل تفاقمها".
وندى طالبة بكالوريا أيضاً، تحاول أن تقدم طلب ترشيح في لبنان، "ولكن هنا المدارس تجارية، تريد إحداها مليون ونصف ل.ل. فقط للحصول على طلب ترشيح على اسم المدرسة، ومدارس أخرى ترفض أن تقدم أسماءنا حتى لا تتدنى نسبة النجاح لديها".
وتضيف ندى :"علمت عن طريق إحدى الجمعيات عن هذه المدرسة فانتسبت إليها لأتعلم وفق المنهاج السوري وسأحاول تقديم الامتحانات في سورية إذا أمكن". تنظر ندى من شباك الغرفة إلى رفاقها الذي يلعبون في ساحة المدرسة وتقول :"رغم كل الاهتمام الذي نراه فإني أشتاق لشوارع القابون، للناس هناك، أتمنى العودة إلى وطني ولكن الحرب بالمرصاد. وهي ستجعل الجميع خاسراً ولن يربح أحد منها بالنتيجة".
وعامر الآتي من الغوطة الشرقية يحاول التخفيف من المصيبة بالحديث عن مسكنه الحالي بشكل هزلي ويقول :"جئنا منذ ستة أشهر، كانت شقيقتي وزوجها سبقانا قبل ذلك، استأجرت منزلاً هو عبارة عن غرفة نوم وصالون ومطبخ. الآن ثلاث عائلات تسكنه، إننا 14 شخصاً في منزل واحد، هل تريد أن أصف لك مشاكل الحمام عند الصباح؟ لا نعرف كيف ندرس، إذا زرتنا ليلاً ترانا ننام بالصف، إخوتي هربوا من الجيش وأنا تسجلت هنا في المدرسة، حتماً سنعود إلى هناك، هنا لا أعرف أحداً، اشتقت للغوطة". توافقه قريبته على وصفه ويجيبان بنفس الوقت حول موقفهما من الحرب "حتماً سيكون النصر إلى جانبنا"، اسألهما عن أي جانب يتحدثان، يقول عامر "عن الجيش الحر طبعاً".
مشاكل أصلية تتزايد
وفؤاد أستاذ في هذه المدرسة السورية، حضر إلى لبنان منذ 6 أشهر، يبدأ حديثه "أنا نادم لنزوحي ولكني تعرضت لضغط شديد أجبرني للنزوح، الآن أقوم بواجبي بتدريس الطلاب السوريين، ولكني ألحظ أن هناك مستويات متفاوتة في كل صف، لأن الطلاب أتوا من مناطق مدينية ومناطق ريفية، وقد اختلف عليهم الوضع. هنا التعليم مختلط، وهذا يؤثر على الطلاب الذين يعانون من التشتت الفكري، وخصوصاً أن معظمهم نجا من الحرب، وانهارت أعصابهم مما رأوه خلال العام الفائت".
يبتسم فؤاد ويقول :"أرى أن الأطفال صاروا كباراً وقادرون على مساعدة الآخرين". وعن المعاناة يشير فؤاد :"إن أبرز مشاكل الطلاب حالياً هي الفقر وقلة الأكل وسوء التغذية".
تقع هذه المدرسة في مبنى مؤسسة الثقافة والعلوم التي قدمت المبنى، وتكفَّل اتحاد المؤسسات الإغاثية بتأهيله ليكون مدرسة للتعليم.
تقول مديرة المؤسسة شادن الجباعي: "نتعاون مع اتحاد المؤسسات والشبكة المدرسية لمساعدة الطلاب السوريين ضمن برنامج دعم الطالب السوري – المدرسة السورية، وقد استقبلنا 250 طالباً سورياً من الصف السابع حتى الصف الثاني عشر".
وتضيف الجباعي: "يأتي الطلاب من صيدا، الهلالية، عبرا، الغازية وغيرها من المناطق القريبة، وبعضهم يأتي سيراً على الأقدام".
وتشرح الجباعي: "يعاني الطلاب من مشاكل أصلية في مجتمعاتهم، زادت الآن بسبب الظروف السيئة، كما أن الأهل مشغولون بتأمين السكن والغذاء، مما جعل اهتمامهم بأطفالهم يخف وبالتالي أعطى المجال لتصرفات طائشة يقوم بها الطلاب".
وتزيد :"يعاني الطلاب من ضغوط نفسية شديدة ومن سوء تغذية، كما أن تصرفاتهم باتت غير طبيعية بسبب الحروب والاضطرار لترك المنازل، منها، خروجهم على سلطة الأهل بالاضافة إلى المشاكل المادية الكبيرة".
وتنتقل الجباعي للحديث عن الأساتذة السوريين: "إنهم أيضاً فئة متضررة، بحاجة أيضاً للمساعدة، لكنهم يعملون أكثر من طاقتهم لخدمة أبناء شعبهم، ولكن السؤال يطرح نفسه : إذا كان الأستاذ يعيش وعائلته مع أربع عائلات أخرى في منزل واحد، فهل بمقدوره أن يدرّس بطريقة صحيحة؟"
كيفية الاهتمام بالطلاّب
ولكن كيف تم الاهتمام بالطلاب؟
يقول رئيس اتحاد المؤسسات الإغاثية في منطقة صيدا كامل كزبر: "عند الأول من أيلول 2012 أحصينا جميع النازحين في المنطقة بالاضافة إلى الطلاب الذين في سن الدراسة، كان عددهم 1200 طالباً، الآن صار عددهم 1980 طالبًا".
يضيف كزبر :"ناقشنا الموضوع في الاتحاد، واستفدنا من تجربة عكار وطرابلس، اذ كان النزوح قد بدأ قبل عام، هناك تم دمج الطلاب السوريين مع الطلاب اللبنانيين في نفس الصفوف. كانت تجربة فاشلة تماماً، في نهاية العام بقي نحو 20% من الطلاب ملتحقاً بالمدرسة، والسبب اختلاف المناهج التربوية، تفاوت في المستويات. فأخذنا قراراً بعدم الدمج ولكي تعم الفائدة، أقمنا صفوفاً خاصة بالطلاب السوريين في المدارس اللبنانية، يختلط الطالب السوري مع الطالب اللبناني في مواد الأنشطة (رياضة، رسم، موسيقى) وفي الفرص، ويفصلوا عند تعلم المواد الأخرى".
ويزيد :"كذلك استفدنا من تجارب أخرى حاولت تدريسهم بعد الظهر وهي تجربة فاشلة أيضاً، فأخذنا قراراً أن تكون المدرسة من الساعة الثامنة حتى الثانية والنصف ظهراً، وبسبب عدم وجود موارد كافية، حصل تنسيق بين الاتحاد وبين الشبكة المدرسية في المنطقة، فاستقبلت سبع مدارس خاصة 350 طالباً ليدرسوا في صفوف خاصة بهم مجاناً وعلى حساب المدارس، أما المدارس الحكومية فقد استقبلت طلاب الروضات والابتدائي وتم دمجهم مع الطلاب اللبنانيين لأنه تبين أن لا تأثيراً سلبياً على الفئة العمرية الصغيرة".
وعن المدرسة الخاصة بالسوريين يوضح كزبر :"في شهر شباط، اضطررنا لفتح مدرسة لطلبة المرحلة المتوسطة والثانوية، واتفقنا مع مدرسين سوريين لتعليم المواد الأساسية، ونقلنا المواد التعليمية والكتب عن الانترنت، وصورنا نسخاً عنها لكل طالب. لكن المفارقة أن الحكومة السورية غيّرت المنهاج مع بداية العام وغيّرت الكتب وأصدرت كتباً للفصل الأول فقط".
وعن الطلاب يشرح كزبر :"وصل العدد إلى 250 طالباً، لكنهم من مستويات متفاوتة والعدد الأكبر يعاني من مشاكل نفسية نحاول حلها عبر برامج أنشطة ودعم نفس اجتماعي وقد قدمنا للطلاب الكتب، القرطاسية والملابس المدرسية مجاناً للجميع".
ويزيد: "وهذه المدرسة هي بالتعاون ما بين مدرسة الإيمان ومؤسسة الثقافة والعلوم التي قدمت المبنى ومدرسة الإيمان تدفع التكاليف الأخرى".
  

السابق
واشنطن تحدث خططها لتدخل عسكري مباشر ضد النظام السوري
التالي
الديار: الخطة هي جر الشيعة للرفض كي يظهر أن الشيعة يريدون تعيين رئيس الحكومة