شيعة لبنان: اسئلة الشهادة السورية

يتسرّب القلق ويتنامى في الوسط الشيعي من تزايد ظاهرة الجثامين المحمّلة من سورية باتجاه لبنان. ثمة قلق متنام في الايام الاخيرة من ان يتحول هذا المشهد الى ظاهرة اسبوعية او يومية. قلقٌ يحمله كثيرون فوق نبرة احتجاج على تورط حزب الله في الاحداث السورية وتداعياته. يأتي هذا بعد انتقال ماكينة التعبئة حزب اللهية واعلامها من مرحلة التنصل من "تهمة" المشاركة في الاحداث السورية الى مرحلة التعامل مع هذا الانخراط في القتال باعتباره امرا واجبا ويوازي – ان لم يتجاوز في اهميته اليوم – قتال العدو الاسرائيلي المرابض على الحدود الجنوبية، كما ورد على السنة بعض المسؤولين في حزب الله خلال جولاتهم في بعض المناطق وردا على اسئلة وجهت اليهم من الناس.

تتخذ المرحلة هذه بُعد تشريع الانخراط في الحرب من باب الدفاع عن المقامات الشيعية المقدسة كمقام السيدة زينب (ع) في ريف دمشق، او حماية المواطنين اللبنانيين المقيمين في سورية، ثم الشيعة السوريين في بلدهم، كحال عشرات القرى القريبة من الحدود اللبنانية في ريف حمص. ويواكب هذا التشريع سيل من خلق المبررات التي تندرج ضمن اثارة العصبية المذهبية وتسنينها، في مواجهة من تسميهم "اعداء اهل البيت"، ضمن مشهد مريع يستحضر كل موروثات الفتن المذهبية بين السنة والشيعة.

على ان من التجني حصر ادوات التعبئة والتحريض في السياق المذهبي. فلكل فئة من الناس لغتها. للبعض لغة المذهب والدين واثارة المشاعر والعصبية، وللبعض الآخر لغة "حماية المقاومة" التي صار وجودها "رهن صمودها في سورية وذودها عن نظام الاسد". وفي الحالين ثمة تطور يمكن ملاحظته على هذا الصعيد، وهو ان ثمة استعدادات للتعامل مع الأزمة السورية باعتبارها شأنا شيعيا لبنانيا، يمسّ كل شيعي في لبنان. فالتعبئة الحزبية والمذهبية لا تكفّ عن السعي الى ايصال رسالة واضحة للجمهور مفادها "اننا اذا لم نقاتلهم في عقر دارهم فهم سيأتون الينا ليقاتلونا في كل الاحوال"، وان "قتالنا في دمشق او في ريف حمص ما هو الا قتال دفاعي عن الضاحية والبقاع والجنوب". ويمكن لاي متتبع لشبكات التواصل الاجتماعي، او حتى لبعض صور الاحتفاء بضحايا الحزب في سورية، ان يلحظ كيف ان معركة الدفاع عن مقام السيدة زينب شعار يكاد يشبه في استخدامه مشهد رفع جنود معاوية المصاحف على رؤوس الاشهاد في معركة صفين.

ومطالبة بعض القريبين من حزب الله بالخروج من سورية دفعت نحو اعتراض ورفض عناصر وكوادر في المقاومة الذهاب للقتال هناك، وإن أدّى ذلك الى فصلهم من الحزب وقطع ارزاقهم. وازاء ردات الفعل هذه ازدادت عمليات التحريض بطرق مباشرة وغير مباشرة وعبر ادوات منظمة حزبيا على كل من يشكك بشهادة من يقتل في سورية من اللبنانيين.

لكن رغم ذلك لم تستطع هذه الماكينة الحزبية ان تستصدر فتوى معلنة وواضحة من مراجع شيعية دينية، على قدر من الأهمية، بوجوب الدفاع عن المقامات الدينية من قبل الشيعة اللبنانيين في سورية، علما ان المتداول هو العكس تماما. وعلما ان هذا الانخراط في الاحداث السورية يتجاوز البعد المذهبي والديني المضخم والمصطنع بدرجة عالية، الى عواقب تطاول لبنان، بسبب ارسال المقاتلين الى سورية سواء من قبل حزب الله وغيره، تأييدا للنظام او ذودا عن المعارضة. وهو امر لا يمكن ان تقرره طائفة بمفردها فكيف اذا كان حزبا في طائفة.

في المحصلة بدأ الكثير من الشيعة يتحسّسون مخاطر الانجرار والغرق في الرمال السورية، ويتخوفون من ازدياد وتيرة اعداد الذين يقتلون من حزب الله في سورية، ومن تعميق الشرخ المذهبي الذي يوفره هذا القتال بين السنة والشيعة، ومن دفع ذلك إلى ازدياد الاعداء والمتربصين على المستوى الداخلي فضلا عن العدو الاساس الذي بات له منافسون كثر، بل تجاوزوه عداءً، على ما تنذر الوقائع الحية اليوم.  

السابق
عينان عسليتان
التالي
ولاية لبنان .. متى يُعلَن أميرها؟