حطيط ومنصور: عمليات تزوير الانتخابات النيابية لا تعد ولا تحصى

صدرت في الجريدة الرسمية قرارات المجلس الدستوري بشأن الطعون الانتخابية وعددها 19 التي تقدم بها مرشحون خاسرون في الانتخابات النيابية العامة التي جرت في 7/6/2009 (السنة 149، العدد 57، الجمعة 4/12/2009، ص 6359 – 6514).
تشمل مراجعات الطعن الدوائر الانتخابية في بيروت الاولى والثانية (طعنين) والمتن الشمالي
(7 طعون) وزحله (6 طعون) وجزين (طعن واحد) وعكار (طعنين) وجبيل (طعن واحد).
رُدت الطعون في الأساس، وتم تصحيح بعض النتائج، استنادًا الى تحقيقات معمقة وتفصيلية في لوائح شطب وسجلات نفوس، ونقل قيد النفوس، وعدم احتساب نتائج اقلام اقتراع، وتجاوزات في وضع محاضر الفرز، ورشوة، واعلام انتخابي، وسقف الانفاق. تبيّن القرارات تفاصيل التحقيقات التي اجراها المقررون.
وتلك الطعون تعود إلى نتائج إنتخابية غير مرضية لبعض الأطراف منهم من يردها للخطأ ومنهم من يردها للتزوير. ما هو التزوير بالانتخابات إذا؟ كيف يتم ومتى، هل قبل أم بعد أم خلال العملية الانتخابية؟
كيف يمكن الحد منه؟ وكيف يعاقب علية؟
الإجابات على تلك الأسئلة كانت كلها تصب حول تزوير مؤكد يحصل في كل دورة انتخابية رغم اختلاف طرقه، فبين ضرورة إعلان سقف تكلفة الدعاية الانتخابية وكيفية تدقيقه، وإنشاء لجنة مشتركة تقوم على تنظيم العلاقة بين الأحزاب السياسية واللجنة العليا للانتخابات. وبين إتاحة فرص التغطية لوسائل الاعلام المملوكة للدولة بشكل يضمن عدالة التغطية لكافة المتنافسين. وإعلان ميثاق شرف إعلامي حيث أن الاعلام يمكن أن يكون أداة لتوجيه الناخبين. فضلاً عن تجريم من يخالف نزاهة العملية الانتخابية سواء حزب أو عضو مستقل من خلال الشطب من العملية الانتخابية، توحدّت الآراء وأجمعت على ذلك، فكان هذا خلاصة حواراتنا:
الدكتور نسيب حطيط
عن مفهوم التزوير وأنواعه يرى الدكتور حطيط أن التزوير بالانتخابات نوعان: تزوير فكري معرفي أومادي تقني، والخطورة تكمن أكثر بالنوع الأول حيث ينخدع الجمهور بالخطاب السياسي وبأهداف المرشح ومشروعه الفكري أو السياسي أو الاجتماعي، بحيث أن هذا التزوير لا يمكن كشفه إلا إما لاحقاً بعد فوات الأوان أي بعد الفوز، وإما حين يتنبّه له الجمهور العام عند قراءة تاريخ هذا المرشح بحيث يعلن المرشح أن مشروعه السياسي والاجتماعي والعقائدي هو مثلاً رفع الحرمان، أو دعم المقاومة، أو الديمقراطية أو غير ذلك، فيكون كعنوان أساسي مشروع فائق الجودة، وبعد فوزه بالانتخابات يضع هذه المشاريع جانباً ولا يقدم الفرص لسن المشاريع التي تحقق تلك الأهداف، ولذا نحن في لبنان نادراً ما نقرأ المشروع الانتخابي للمرشح، وإذا قرأناه يكون طبعة جامدة خشبية مككرة لكنها لم تنفّذ في أي لحظة من اللحظات.
النوع الثاني هو التزوير المادي التقني وله ثلاث مراحل متكاملة، لضمان نجاحه يبدأ قبل بدء عملية الاقتراع حيث يتم تزوير أعداد الناخبين، كأن ينتخب الشخص أكثر من مرة، أو نسمع بأن الميت قد انتخب أو حتى الغائب، بحيث أنه لو توفى شخص ما في قرية معينة لا يشطب من اللوائح حتى تتم مصادرة صوته الانتخابي فيما بعد، من هنا كانت فكرة استعمال الحبر السري. كذلك التزوير بالرشوة المالية ويتم أيضاً قبل الانتخاب بحيث يتم حجز بطاقة هوية الناخب حتى يتم التأكد من مصادرة صوته يستلمها مع الموعود به مالياً. نوع آخر من التزوير يتم أثناء الاقتراع عبر مراقبة عملية التصويت وهذا خرق للسرية الانتخابية، وبعد ذلك مباشرة كل يأخذ حقه المرشح أخذ صوت الناخب، والناخب أخذ بدل قيمته الديمقراطية، بمعنى آخر باع صفته كإنسان حيث قال الله تعالى : "إنما العزة لله ولرسوله والذين آمنوا". ويتم التزوير أيضاً بعد الانتخاب حيث يقوم من يقرأ الأسماء أو اللوائح الفائزة بطريقة مغايرة، تمت معالجتها بتسليط الكاميرا على الورقة إلا أن انقطاع التيار الكهربائي أحياناً هو جزء من التزوير، كذلك تمزيق الأوراق بعد قراءتها، منع المندوبين من الحضور، أو حضور المندوب وعدم اعتراضه. بعد إعلان النتائج لا بد من تثبيت الوقائع في لجنة القضاء لأنه في لجنة القيد العليا لا بد من إعادة فرز الأصوات، فيتم التزويرهنا بسرقة الصناديق أحياناً وقد حصل هذا الشيء سابقاً، أو باستبدالها بغيرها لصالح مرشح آخر، كلما صعدنا باتجاه لجنة القيد التي تعطي النتائج النهائية كلما تضاءلت عمليات التزوير حيث أنه لو تم كشف هذا التزوير يصبح الدليل أكثر وضوحاً وملموساً. هناك تزوير شامل يتم في حالة تواجد مرشحين للسلطة، والسلطة هي التي تمسك بكل العملية الانتخابية، ففي اللحظات الأخيرة يمكن أن تعلن فوز مرشحٍ دون مرشحٍ آخر لأنها لا تخاف المساءلة والمعترض لا يملك الوسائل والقنوات والأدوات التي تمكّنه من استعادة حقه لأن القضاء مصادَر من السلطة.
وهناك تزوير يتم بالشعارات فمثلاً عندما يُقال: من يصوت مع 8 آذار فهو يصوت للقتلة، بالمقابل يقال: من يصوت ضد التحالف داخل الطائفة الشيعية مثلاً، فهو يصوّت ضد المقاومة، رغم أنه داخل إطار المقاومة يمكن الاختيار بين المرشحين وليس معنى ذلك أن من يصوّت لمن تعطيه المقاومة إذن الترشح فهو مقاوم، ومن يصوّت لمن لم تعطه المقاومة هذا الإذن فهو ليس مقاوماً. هذا ما يمكن تسميته بضبابية المفاهيم وهو أرقى أنواع القمع الانتخابي، فإلى جانب التزوير الانتخابي نجد هذا القمع حيث تتبناه جهات معينة لا تقوم بالتزوير الانتخابي لاعتبارات أخلاقية ودينية، لكنها تلجأ للقمع (كالتهديد بالوظيفه)، أو تلجأ للرغيب (كالإغراء بالعطاءات المستقبلية) على المستوى الحزبي، الركني أو الوظيفي.
بالمعطى الأخلاقي والديني فإن الرادع ينبع من المنظومة القيمية الدينية وهو مايسمى بالحكم الشرعي، في هذه الحالة فإن من يعتقد بأن التزوير والسرقة والكذب حرام، لن يزوّر في الانتخابات، وبالمعطى التقني فإنّ سن قوانين رادعة بشكل قاسٍ تقضي بأنّ من يثبت تورّطه بالرشوة سواء أكان دافعاً أو قابضاً ومن يثبت تزويره بالأدلة يعاقب إما بالحرمان من جزء من حقوقه المدنية أو من الترشيح أو غير ذلك. وبالمعطى الحزبي في حال كان هناك قوائم حزبية، إذا ثبت أن أحد المتورّطين هو ضمن قائمة حزبية، فإنّ العقاب يجب أن يكون على مستوى الفرد وعلى مستوى التنظيم أو الجهة السياسية التي تتبنى ترشيحه، أي على مستوى المنظومة الحزبية، لأنها تشكل نوعاً من تصفية المرشحين بالمعطى الأخلاقي والإنساني بمعنى أن تكون الكفاءة هي ضابط الإيقاع حتى توصل إلى من يجب أن يمثل الجمهور دون أن يرتكب هذه الخطيئة، لأنّ من يزوّر لكي يمثل الجمهور، معنى ذلك أنه يزوّر وكالة الجمهور، وتزوير وكالة الجمهور بالمعطى السياسي التمثيلي أصعب من تزوير وكالة بيع، فمن يزوّر صوتي يزوّر يمكن أن يزوّر ملكيتي، ومن يدفع ثمن صوتي يمكن أن يقبض ثمن صوته، وتجارته تكون رابحة، إذ يدفع مئة دولار مثلاً ثمن الصوت ويقبض الكثير في إنتخبات رئاسة جمهورية مثلاً أوتعديل مشروع أو سنّ قانون، وهكذا تتحوّل العملية الانتخابية من عملية إنسانية، ديمقراطية، إجتماعية إلى عملية تجارية، والتجارة إذا كانت متفلتة من القيم، تكون كل الأساليب فيها مشروعة حتى تزويرتاريخ الصلاحية وبالتالي لمنع هذا الخطر هناك أمرين: مادي قانوني وقيمي ديني.
ومحاسبة النواب في المجلس مهمة جداً كما هو التشريع الذي يقضي بطرح الثقة برئيس المجلس بصفته نائب كل سنتين بحيث يتم التجديد له أو تسحب الثقة، فلا بد أيضاً من وضع تشريع لمحاسبة النائب على عطائه داخل المجلس لأنه ثبت بالدليل (ويمكن مراجعة أرشيف مجلس النواب) أن بعض النواب خلال أربع سنوات لا يوجد لهم أي نشاط في المجلس إلاّ بإجابتهم بنعم في بعض الهيئات العامة لتأكيد حضورهم، لم يتحرك داخل المجلس سوى بنعم أم لا، وعلى الأرض لم يتحرك بأي خدمة إنسانية أو نشاط سياسي، لذا لا بد من محاسبته حتى لا يدّعي بأنه يستطيع محاسبة الحكومة، فإذا كانت الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب، فإن النائب مسؤول أمام الشعب، ولكن أين الآلية لمحاسبته ونحن نفتقر لها عند الدولة وعند الشعب، وإن تمكن الشعب من محاسبته في الدورة الثانية بعدم انتخابه، لكنه قد يتفادى هذه المحاسبة بالدعاية والإعلان والشعارات ونعود للخطأ ذاته. فلينطلقوا من فكرة إذا توفى النائب قبل ستة أشهر من انتهاء ولاية المجلس يتم انتخاب أحداً مكانه، ماذا إذاً لوتحقق وفاة النائب تشريعياً وخدماتياً فهو بالمعطى التشريعي متوفٍ لا يحرك ساكناً لذا يجب انتخاب أحداً مكانه.

الدكتور نزيه منصور: نائب سابق.
وعن أشكال التزوير وحالاته وضّح منصورأنّ التزوير ليس فقط ما يتم في العملية الانتخابية، فهو أوسع من ذلك بكثير، هو بمعناه الواسع يشمل الفترة الممتدة من الترشيح والتحالفات، والتأثير على الناس، ولا ينحصر بالعمل التقني الذي يتم يوم الانتخاب (كإعطاء عجوز ورقة لاتعرف ما كتب بها ويكون عليها فقط إسقاطها، أو من ينتخب ببطاقة شخصٍ متوفٍ)، هذا النوع وإن حصل إلاّ أن نسبته وخطورته قليلة قياساً بالتزوير الذي ينصب على تغيير إرادة الناس المتعلقة بفرض مرشحين معينين بالذات عليهم، أو أن يكون هناك مرشح رأسمالي يشتري أصوات الناس لصالحه أو لصالح اللائحة التي ينتمي إليها، أو إبراز المرشح لشيخصية مغايرة كلياً عن شخصيته الحقيقية عبر وسائل الأعلام التي قد تكون مأجورة أو مخدوعة أيضاً بتلك الشخصية، وقد تكون هذه الشخصيات أصلاً غير مؤهلة لهذا المنصب، والدليل على ذلك الغياب المستمر وشبه الدائم لبعض النواب في المجلس النيابي.
التزوير أيضاً فيما يتعلق بثقافة الناس وذلك باستغلال عواطفهم ذات الطابع المذهبي، الطائفي، المناطقي، وفي فترة الانتخابات ترتفع عندهم الوتيرة العصبية، خاصة وأنّ الكثير من الناس يهتم بالسياسة ظاهراً وهم بعيدون عن ثقافة الانتخاب وكيفية الاختيار، كذلك استفزاز الناس بعواطفهم ومذهبيتهم يحولهم بشكل مفاجئ إلى مكان آخر ينسيهم مصالحهم، ومن هذه التأثيرات مثلاً: إقتراحات القوانين المفاجئة قبل الانتخابات بفترة وجيزة، رغم أنَّه من المبادئ العامة في التشريع أن يكون هناك حالة استقرار تمكن المواطن من استيعاب هذا التشريع وفلنأخذ مثلاً من العام 1992 أي من بعد اتفاقية الطائف وحتى الآن، لم يأت قانون مشابه للآخر أو مكمل له بل دائماً في حالة تغيير جذريّ، بحيث يختلف الانتخاب بحسب المناطق هناك من ينتخب عدداً والآخر ينتخب عدداً آخر، وهنا أكثرية وهناك أقلية، فهذا ما يعتبرالتزوير بعينه، فالتحضير للانتخاب هو عملية مستمرة دائماً تحتاج إلى تأهيل الناس لذلك، لا أن نوزّع بونات البنزين عليهم أو نقوم بنقلهم بباصات مجانية إلى مكان الاقتراع في قراهم حتى يصوتوا للجهة التي تولت عملية النقل وهنا يعتبر المواطن نفسه في رحلة مجانية بدلاً من أن يقضي يوم عطلته في المنزل يذهب للانتخاب المسليّ، أو دفع بدل الصوت مادياً أو خدماتياً، هذا أيضاً شكل من أشكال التزوير. كما أن عدم ورود أسماء معينة في لوائح الشطب أو ورودها خطأ فهذا من الأمور التي باتت مستحيلة الوجود في أي بلد في العالم، لذا يكون مردّها مباشرة إلى التزوير، ما يؤكد أن التزوير لا يمكن حصره في فترة الانتخاب فحسب بل يشمل الفترة ما قبل وبعد عملية الاقتراع ويشمل أوجه عدة بدءاً من التأهيل، الثقافة، التربية، تحديد النصاب، الصرف المالي، النفوذ، إثارة الغرائز العشائرية والطائفية والمذهبية والعائلية فالقانون بحد ذاته يمكن أن يهدف للتزوير. ونحن أمام موضوع الاستحقاق الانتخابي، كل جهة تقدم مشروعاً يحقق طموحاتها دون الالتفات إلى مصالح الوطن والأمة، إذ يجب أن يشعر الناخب أنه ينتخب كل لحظة وأن يشعر المنتخَب أيضاً بأنه على تماس بهؤلاء الناخبين. وأقول لو قمنا بعملية القرعة لكانت فازت أسماء تتمتع بالأهلية النيابية أكثر من المرشحين تحديداً.
  

السابق
خنفشاريات سورية
التالي
الدماغ قادر على رفع حرارة الجسم