السفير: المستقبل مطمئن لموقف جنبلاط وهل ينقلب سلام على التكليف

قرر تمام سلام أن يُطفئ محركاته وأن يعمل بصمت وبعيداً عن الضجيج لعل هذا يمكنه من إنتاج ما أسماها "حكومة المصلحة الوطنية" ولمهمة موضعية محصورة بإجراء الانتخابات النيابية، إن لم يكن في موعدها، ففي أقرب فرصة ممكنة.

وإذا كان الرئيس المكلف قد حكم نفسه بصفة الاستعجال لسرقة حكومة من قلب التناقضات السياسية، فإنه بذلك يضع نفسه تلقائياً على سكة محفوفة بمخاطر التفريط بالمناخات الايجابية التي حكمت استشارات التكليف والتأليف، خاصة إذا صح ما تم تداوله في الساعات الأخيرة عن مشروع حكومة من 14 اسماً صارت أسماء الوزراء فيها متداولة على كل شفة ولسان، سيقدمها غداً، الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان.

واذا كانت تطمينات السفير السعودي علي عواض عسيري، واطلالته الأولى من نوعها منذ فترة طويلة، عبر شاشة "المنار"، أمس، قد أعطت اشارات ايجابية جداً، لـ"حزب الله" والرئيس نبيه بري، فإن ما نقله زوار رئيس الحكومة المكلف عنه ليلاً، جاء منافياً بالكامل، للمناخات الايجابية الأخيرة.

فقد نقل زوار سلام عنه أنه متمسك بوثيقة الوفاق الوطني ولن يقبل التفريط بأي حرف منها، وبالتالي لن يكون مسموحاً أن تتحول الأعراف الى قواعد دستورية، فالدستور قد أعطى رئيس الجمهورية في المادة 53 صلاحية أن يصدر بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف مرسوم تشكيل الحكومة، ومثلما نص الدستور على حدود التكليف والتأليف، فانه أعطى للنواب حق منح الثقة أو حجبها في مجلس النواب، مثلما أعطى لرئيس الجمهورية صلاحية أن يوقع مع رئيس الحكومة مراسيم التأليف.

وفهم زوار سلام أنه ليس في وارد القيام بجولة مشاورات جديدة كما يأمل البعض "فالعرف السابق بإجراء مشاورات بعيدة عن الأضواء تفضي الى محاصصة وتفاهمات تحت الطاولة يجب كسره نهائياً، ذلك أن الصلاحيات واضحة وعلينا جميعاً أن نعود الى كتاب الدستور".

جاءت مناخات الرئيس المكلف، مترافقة مع عدم توجيهه أي إشارة جدية، لا من فوق الطاولة ولا من تحتها، الى أي من المكونات السياسية حول نيته القيام بأي مبادرة، وهو الأمر الذي أحدث حالة من الحذر الشديد في عين التينة والرابية و"الضاحية الجنوبية"، خاصة أن هذه الجهات الثلاث كانت قد تلقفت إيجابياً الإشارات الصادرة من مطرحين، الأول، من باريس وإعلان رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري مد يده الى "حزب الله"، والثاني، من الرياض ممثلة بسفيرها في بيروت الذي كان قد أعطى إشارات في غير اتجاه بأن الرئيس المكلف سيلتزم الأصول الميثاقية، وسيمدّ يده للتعاون مع الجميع ولن يستبعد أحداً وأن المملكة تريد له أن ينجح في مهمته وأن يستثمر بطريقة إيجابية مناخ التكليف والتأليف.

وإذا صحت الأجواء التي سادت في الساعات الأخيرة، فإن سلام قاب قوسين أو أدنى من تقديم تشكيلة حكومية لا تضم أياً من وزراء الحكومة السابقة ويطغى عليها طابع الوزراء المستقلين، حتى أن رئيس الجمهورية، سعى خلال اجتماعه به، صباح أمس، ومن خلال بعض الموفدين، أن يحثه للتراجع عن خطوته المرتقبة، خشية أن تؤدي الى تعقيد مهمته بدل تسهيلها، غير أن سلام عقد العزم على عدم التراجع الى الوراء وقال إنه سيتحمل مسؤوليته وعلى الآخرين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم أيضاً، وإذا أرادوا الاعتراض فيمكنهم حجب الثقة عن الحكومة في مجلس النواب.

وأوحت أجواء "تيار المستقبل"، ليل أمس، أن هناك قوة دفع حقيقية في اتجاه أن يمضي تمام سلام في خياره، لا بل إن أحد نواب "المستقبل" عن العاصمة، لم يستبعد أن يعطي وليد جنبلاط وكتلته الثقة لحكومة مستقلين غير سياسية ولا تضم أي مرشح للانتخابات ولا أي اسم حزبي أو استفزازي.
إن مضي سلام في هذا الاتجاه يطرح أسئلة كثيرة:
هل سيكتفي تمام سلام بما سمعه في الاستشارات النيابية، ويحصر التشاور حول شكل الحكومة ومضمونها مع رئيس الجمهورية، أم أنه سيقرر في اللحظة الأخيرة التشاور مع " 8 و14 آذار"؟
هل يحمل في جعبته نموذجاً جديداً للحكومات يؤدي الى إحداث صدمة ايجابية أم استيلاد مشكلة كبيرة وخطيرة جداً؟

ماذا لو قرر وزراء الاستقالة وهم من لون طائفي أو سياسي أو مذهبي معين، رفض طرح سلام، فهل يبادر إلى استنساخ تجربة الحكومة البتراء التي ترأسها فؤاد السنيورة أم يبادر الى الاعتذار عن المهمة الموكلة إليه؟

إذا كان نموذج حكومة ميقاتي الأولى هو الأقرب الى ذهن تمام سلام، أي حكومة انتقالية وظيفتها إجراء الانتخابات، فمن يضمن إجراء الانتخابات، ولنفرض أنها ستجري، هل في موعدها وقد بات ذلك متعذراً، وعلى أساس أي قانون، هل قانون الستين المرفوض أقله من غالبية الشعب اللبناني، هل على أساس قانون جديد،
وأي قانون، المختلط، وهل الفترة الممتدة حتى منتصف أيار المقبل كافية لحدوث معجزة تنتج قانوناً انتخابياً جديداً أم أن الجميع سيصطدم بالحائط المسدود ويصبح محكوماً بـ"قانون الستين" وأحكامه النافذة؟

هل قرر سلام أن يلبي رغبة من يريد أن تتشكل حكومته بمفعول ثأري من الحكومة السابقة، وألم يكن جديراً بمن قرر الذهاب الى مثل هذا الخيار، أن يأتي بغير تمام سلام، أم أنه ومنذ لحظة التكليف قرر أن يصبح صقراً من "صقور تيار المستقبل"؟
هل تستطيع المقاومة التي تدافع عن وجودها، أن تقبل للمرتكز اللبناني الذي هو الأصل بالنسبة إليها، أن يخرج من بين يديها بلعبة سياسية سوداء، وماذا لو شعرت المقاومة بأن كميناً ما يحضر ضدها في الغرف السوداء؟

أيُّ دور يلعبه السعودي وهل نحن أمام نسخة مكررة للسفير عبد العزيز خوجة ببدايتها ونهايتها؟ وهل تستطيع السعودية أن تعطي الضوء الأخضر لإدارة البلد بطريقة كهذه بما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات؟ وهل تستطيع المملكة الراعية للتكليف أن تقبل بسقوط خيارها في أية خطوة أحادية استفزازية، تكون سبباً للتوتير وربما لدفع الكثير من الأكلاف؟
  

السابق
النهار: اعتداءات النظام السوري تتكرر على عرسال رداً على سليمان؟
التالي
الديار: اجتماع السفيرين الايراني والسعودي مع قاسم ادى الى الانفراج