دخان حجب التراجع في سورية؟

أ . عندما يحلل المراقب ما تسارع من مواقف و وقائع ميدانية محيطة او ذات صلة بالازمة السورية يكون ملزما بالبحث عن الاتجاه الذي سلكته تلك الازمة و ستكون الايام المقبلة مجالا لظهوره بشكل علني اكثر وضوحا و هنا لا بد من التوقف عند امور ملفتة اهمها :

1) ان تعلن الامانة العامة للامم المتحدة المعروفة التبعية و الولاء لاميركا تبعية وصلت الى حد الظن بان الامين العام للامم المتحدة هو احد موظفي الخارجية الاميركية من غير الفئة الاولى ، ان تعلن هذه المنظمة التي هذا حالها ان المجموعات المسلحة في سورية تتلقى السلاح بشكل اساسي من مخازن ليبيا عبر تركيا و شمال لبنان و هو اعلان ملفت لانه يحمل لبنان و تركيا و بشكل مباشر تبعة تسليح الارهاب في سورية و الكل يعلم موقع هاتين الدولتين في السياسة الاميركية .

2) ان تسارع جبهة النصرة للمبايعة العلنية لايمن الظواهري – المسؤول الاول في القاعدة – باعتباره اميرها و تأكيد انتمائها البنوي و العضوي لتنظيم القاعدة التي اعلنت اميركا الحرب عليها باعتبارها راس الارهاب في العالم و نظمت ضدها الحملات العسكرية في معرض محاربة الارهاب رغم ان الحقيقة التي اعترفت بها اميركا نفسها هي انها هي من اسس و نظم و استعمل هذا التنظيم تأسيساً قام على الفكر التفكيري الاقصائي الالغائي و اعتمد من اجل تشويه الخط المقاوم المستند الى الفكر الاسلامي الحركي الانساني ، فاعتمدت القاعدة لخلط المقاومة باالارهاب الذي يمارس ضد الانسان – اي انسان لا يكون من اتباع هذا الفكر ما يبرر قتاله . فاميركا اسست تنظيم القاعدة و اعلنت الحرب عليه و الان تلحق النصرة بالقاعدة لتكون ايضا مشمولة نظريا بالحرب الاميركية ما يبرر تراجع علني لاميركا عن دهمها في سورية .

3) ان يستدعي اوباما ثنائي تنفيذ العدوان على سورية بوجهه الميداني و الاعلامي و التمويلي ( قطر و تركيا) بعد شهر واحد من الانطلاق في تنفيذ خطته المعروفة ب "خطة اوباما " التي شاءها صاحبها ان تكون الرصاصة الاخيرة القاتلة لسورية ، و التي تمكنه من احياء المشروع الاميركي في المنطقة ، استدعاء واكبته الصحافة الغربية و الاميركية بحديث عن ضيق و غضب و لوم اميركي للادوات التنفيذية بسبب عجزها عن توفير فرص النجاح االمطلوب للخطة التدميرية الاميركية .

4) ان يحقق الجيش العربي السوري انجازات ميدانية مذهلة في مناطق دمشق و دير الزور و حمص و ادلب اتجازت صعقت المعتدين و جعلت العاقل منهم يعيد الحسابات في جدوى المتابعة و دفعت آخرين من ارباب القتل و الاجرام و الارهاب على شن العمليات الارهابية الانتاحارية التي استهدفت المدنيين في دمشق و ادلب.

ب. يحصل كل ذلك ، في ظل رسم خريطة للمسلحين في سورية تظهر احجامهم و اوزانهم كما حددت او روجت الجهات الغربية المعنية بالصراع الكواني على السورية خريطة اظهرت ان هذه الجماعات تعمل تحت عنوان مما يلي :

1) تنظيمات جماعة الاخوان المسلمين و هي صاحبة المشروع الرئيسي في الازمة السورية و التي تتطلع عبر الصفقة المعقودة مع الغرب ، للاستيلاء على الحكم ، و قد سارعت هذه الجماعة الى عسكرة الحراك السوري المناهض للنظام و اطلقت الخلايا المسلحة و انشأت الكتائب و الالوية و الافواج تحت تسميات اسلامية شتى لكنها لم تصل في قدراتها الى السيطرة العسكرية المحكمة على اي منطقة في سورية و لا يقدر لها الان ذلك حنى و لو طال الامر لسنوات اضافية عدة .

2) جبهة النصرة و هي الاكثر تنظيما و افرادها الاكثر شراسة و احترافا و استماتة في القتال ، و هي التي استطاعت ان تجمع في صفوفها مسلحين نسبتهم الغالبة من غير السوريين و بالتالي فانها لا تملك حظوظاً او فرصاً حقيقة للوصول الى السلطة و تقديم البديل عن النظام السوري القائم . فهي جماعات تستطيع ان تقتل و تدمر و لكنها لا يمكن ان تحكم .

3) الجيش السوري الحر و هو عنوان فضفاض تعمل تحته جماعات و خلايا غير مترابطة و لا تتبع لقيالدة و احدة و كفاءاتها القتالية محدودة و معظم افراده من غير العسكريين ( العسكريون لا يتعدون نسبة ال 15% ) و بالتالي فان فرص نجاحه في الوصول الى السلطة محدودة جدا لا بل يمكن القول بان الواقع و المتغيرات الميدانية و الدولية لا تترك له مجالا للتفكير بوضع اليد على الحكم و جل ما يمكنه فعله هو الالتحاق بجماعة الاخوان المسلمين ليكون جزءا من ادواتهم العسكرية في المرحلة السابقة لانتهاء الازمة و بعد ذلك كل يكون في طريق و لا يكون لهذا المكون غير المنظم حظ في البقاء و المكاسب .

4) المسلحون الاكراد الذين يتسارع تنظيمهم الشعبي و لكن دون ان يتجاوز مناطقهم و بالتالي فان سقفهم و طموحهم لا يتعدى تلك المناطق .

5) و يبقى المسلحون المحليون الذين استفادوا من اختلال الامن و الاستقرار فلجأوا الى السلاح و اقامة الخلايا الاجرامية الصغيرة التي لا هم لها سوى القيام باعمال السلب و السطو و النهب و تنفيذ بعض عمليات القتال و قد توسعت دائرة هؤلاء الى الحد الذي بات الحديث عن اعداداهم يصل الى القول بانه يلامس ال 5000 مسلح ان لم يتعداه الى 7000 .

في ظل هذه الخريطة باتت اميركا تدرك بان تحقيق اهدافها عبر الحل العسكري الارهابي باتت شبه معدومة ، و بان مصلحتها الان تفرض التهيئة الجدية لعمل اخر ينقذ مصالحها عمل لا يكون القتال و الارهاب طريقه الوحيد كما حصل حتى الان ، كما ان اميركا و من باب الازمة مع كوريا و تصاعد حدة السلوك العسكري الروسي باتت تدرك بان مواقعها في العالم بدأت تتزعزع ، و ليس سهلا عليها و هي من كانت تمني النفس ان تحكم العالم في نظام احادي القطبية ، ان تضطر لالغاء اطلاق صاروخ حتى لا تستفز الاخرين و تتسبب بمواجهة لن تكون في مصلحتها على الاقل معنويا ، لكل ذلك نرى بان اميركا هي التي اوعزت بحصول ما ذكر من اعلان و دفعت الامور الى هذا المستوى من اجل انشاء بيئة تمكنها من التراجع عن خطة اوباما و يشكل مستند تبرير متصل بما تعلنه من حربها على الارهاب ، فهل يكون في هذا الدخان ستاراً يحجب التراجع الاميركي عن الانظار و عملاً يفتح الطريق امام سلوك جدي صادق تلتزمه اميركا في حزيران المقبل لوضع قطار الحل السلمي على سكته الامنة ؟

السابق
حزب الله ومفهوم الاستقرار
التالي
حكومةُ إنتخابات أم حكومةٌ بمهمةٍ أكبر؟