حكومةُ إنتخابات أم حكومةٌ بمهمةٍ أكبر؟

خلافاً للهدوء الذي يطبع المواقف الإعلامية لمختلف الأفرقاء، فإن الكواليس السياسية تضج بالسيناريوهات التشاؤمية حول مستقبل الاوضاع.

فالصيغ الحكومية تبدو متباعدة، لكي لا نقول متناقضة، والمشاريع الانتخابية تصطدم بتفاصيل اساسية، لا بل إن الكلام المتفائل الذي ساد حول توافقٍ على قانونٍ مختلط يرتكز في اساسه على المشروع الذي تقدّم به رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بقي بعيداً من التوافق في ظل الاصرار على استبدال مبدأ المناصفة بين مقاعد الأكثري والنسبي الى 60 مقعداً للنسبي و68 مقعداً للأكثري، إضافة الى تقسيم جبل لبنان الى اربع محافظات والإبقاء على بيروت محافظة واحدة وعدم السير في انشاء مجلس للشيوخ يكون ضامناً للتنوع الطائفي في لبنان ويعطي صلاحية إقرار الأمور الوطنية الكبرى ويجري انتخابه على اساس مشروع اللقاء الأرثوذكسي.

وتقتضي الموضوعية الإقرار بأن العراقيل التي تحول دون الاتفاق على التشكيلة الحكومية تعود في اساسها الى الصعوبات التي ما تزال تواجه ولادة قانون الانتخاب الجديد. ففيما لو جرى ذلك فإنه لن تعود للتشكيلة الحكومية اهمية كبرى، كون هذه الحكومة ستعيش اشهراً معدودة وستكون فعاليتها السياسية محدودة.

لكن المشكلة تكمن في ان أحداً لا يضمن ولادة قانون جديد للانتخابات، وبالتالي إجراء الانتخابات، ما يعني ان تتحول هذه الحكومة سياسية بامتياز تمسك الوضع في البلاد وتتولى التعاطي مع الاستحقاقات الكبرى المقبلة، وتصبح سلطة مطلقة في حال شغور موقع الرئاسة الأولى في ايار 2014.

من هنا فإن شد الحبل يصبح كبيراً وسط الإحتمالات المفتوحة، وفيما حاول الرئيس المكلف تأليف الحكومة طمأنة الجميع الى انه آت على رأس حكومة مهمتها اجراء الانتخابات فقط، وانه سيستقيل في حال تم التمديد للمجلس النيابي، الّا أن هذا الالتزام على اهميته لا يطمئن "المتوجّسين"، ولا يؤدي بهم الى التنازل عن الضمانات التي يطالبون بها.

وتنقسم هذه الضمانات الى فئتين: الاولى تتعلق بنوعية الحقائب وطريقة توزيعها، والثانية هي اكثر أهمية وتتعلق بالتوازنات الداخلية ومبدأ "الثلث المعطل" غير القابل للتفاوض او المناقشة.

وتكشف المعلومات ان الإجتماع الذي عُقد عند رئيس مجلس النواب نبيه بري وضم "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"المردة" قبيل اعلان الموافقة على تسمية سلام، شهد التزاماً رباعياً صارماً لدى هذه الجهات الاربع بأن يكون موقفها موحداً من مسألة الاشتراك في الحكومة في حال عدم احترام مطالبها، وبعبارة اكثر صراحة، عدم مشاركة أيّ من اطرافها في حال عدم الاقرار بمبدأ "الثلث المعطل".

والاكثر خطورة هو ما التزمه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط علناً أنه لن يعطي الثقة لحكومة لا تلبي شروط الوحدة الوطنية. والسؤال هنا كيف سيتصرف "حزب الله" في حال الإعلان عن تشكيلة حكومية لا تتضمن "الثلث المعطل" كما يتمسك تيار "المستقبل"، لا بل كما تصرّ المملكة العربية السعودية ومعها الولايات المتحدة الاميركية وهو ما عكسه موقف السفيرة الاميركية مورا كونيللي بعد زيارتها قصر بعبدا، ولو وِفق عبارات ديبلوماسية مبطنة.

والأهم، كيف سيُتعاطى مع جنبلاط في حال تراجع عن التزامه العلني ومنح الحكومة الثقة، وتبدو المسألة في درجة خطورة اكبر مع الدخول الدولي على خط هذه الحكومة ما بين الرياض وواشنطن. فاذا كانت مجرد حكومة انتخابات فلماذا كلّ هذا الاهتمام الخارجي وهو ما يجعل مسألة تأليف الحكومة في صلب النزاع الخارجي الحاصل، وهو ما سيعني حُكماً رفع مستوى جهوزية "حزب الله" طالما انه المعني الاساسي بـ"برنامج عمل" حكومة سلام.

ويُروى ان حكومة من 14 وزيراً موجودة وجاهزة ما بين قصر بعبدا والرئيس سعد الحريري ومعه الرئيس سلام، وانها تنتظر تعثر المشاورات ليجري طرحها "تشكيلة أمر واقع" سيوقعها رئيس الجمهورية فوراً. وتتضمن هذه التشكيلة اسم بهيج ابو حمزة لضمان تأييد جنبلاط. إضافة الى اسماء رجال اعمال واصحاب اختصاص، فتصبح اما حكومة اصيلة او حكومة تصريف اعمال تحل مكان حكومة ميقاتي ولفترة طويلة.

ويُروى ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي يستعرض في مجالسه الخاصة كلّ هذه العقد، يراهن على اعتذار سلام في مدة اقصاها خمسة اسابيع لتعود التسمية وترسو عليه.

لكن المسألة تبقى اكبر واخطر من حسابات داخلية، فدولة قطر باشرت تحركها الاعتراضي على الساحة اللبنانية تعبيراً عن رفضها لـ"احتكار" السعودية موقع التوازن مع إيران. وهكذا تحركت جبهة طرابلس مجدداً، واذا كانت جولة القتال الأخيرة توقفت مع فشل التمديد للواء اشرف ريفي واستقالة ميقاتي، وحيث ان المجموعات السلفية لم تشارك في القتال، فإن عودة الاضطراب الأمني مجدداً خلال الايام الماضية الى عاصمة الشمال شهدت مشاركة واضحة للمجموعات السلفية التي تدعمها قطر.

وفي صيدا، فإن الشيخ احمد الأسير الذي سافر الى تركيا (ليس بقصد السياحة حتماً) يستعد لتحرّك غداً الجمعة. لكن الاهم ما ظهر خلال الساعات الماضية من خلال بدء تحرك مضاد يقوم به مفتي صيدا والجنوب المحسوب على تيار "المستقبل" لمحاصرة حركة الأسير. وهذا ما يعبر في وضوح عن تنافس سعودي ـ قطري على الساحة اللبنانية.

كان من المفروض ان تكون هذه الحكومة حكومة انتخابات لبضعة اشهر، لكن التداخل الخارجي يعطيها ابعاداً اكبر ويزيد من خطورة التعقيدات الداخلية. لذلك لم تحصل بالمصادفة رسالة "تسريب" لائحة "الشهود السريين" للمحكمة الدولية، لا بل إن التوقيت يبقى معبراً جداً.

على ان لا تنسى ايضاً التطورات الخطيرة في الجوار والتي كان ابرزها اعلان "جبهة النصرة" في سوريا مبايعتها لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري. مع الإشارة الى ان "جبهة النصرة" التي تمسك فعلياً بعصب الجبهات في سوريا باتت تتألف من نحو عشرة آلاف مقاتل وهو رقم هائل اذا ما ادركنا ان عدد رجال "القاعدة" في العراق كان اقل بكثير، وعلى رغم ذلك احترق العراق وما يزال.

السابق
دخان حجب التراجع في سورية؟
التالي
3 مليارات دولار