رئيس حزب الأوادم

الحالة السلاميّة لا تقتصر على تمام سلام. والامتحان الذي يخضع له راهناً، هو امتحان حزب الأوادم في لبنان، ومدى قدرته على أن يكون أهلاً لتسلّم مقاليد السلطة، والدفع بهذا الوطن نحو الأمام، والارتفاع به فوق زواريب المذهبيّة والطائفية الى آفاق المواطنيّة الرحبة.

تمام سلام ليس الشخص، بل الرمز، ومعه الأكثرية الصامتة التي كفرت بالميليشيات قادة، ونهجاً، وسلاحاً، وثقافة، على أمل أن يكون المستقبل للشرفاء، وللوطنيّين الأكفياء، لا للطائفيّين.

إختيار سلام لا هو بالمصادفة، ولا بالبدعة، بل بالتصميم الهادف، والجميع يسلّم بأن ليس في لبنان لا من "تصميم"، ولا من "هادف"، بل ارتجال، وأنانية، وشطارة "على الطريقة اللبنانية"، بمعنى أن الكذب شطارة، والخداع والرياء شطارة، والزلع والبلع والسرقة والنهب والشفط أيضا وأيضا.

ولذلك، فإنّ مَن اختار إنما فعل نتيجة حسابات ومعادلات قد يظهر بعضها للعلن مع توالي الأيام، وهناك فارق شاسع بين مَن اختار، ومن سمّى. فالاختيار كان للخارج، والتسمية تُركت للداخل، إختار الخارج، وهبط الوحي، فتسابق مَن في 8 و14 آذار على لفظ الاسم، بلهجة هادئة، وتهذيب مفرط.

إختار الخارج سلام، وأراد أن يعطي من خلاله فرصة للأوادم، للأكثريّة الصامتة لكي تحدث ربيعاً للبنان عن طريق صندوقة الاقتراع. شاء أن يأخذ بيمين هذه الأكثريّة، ويمكّنها من النهوض، وأخذ المبادرة بأساليب ديموقراطية لوضع حدّ للفاسدين والمفسدين، وهذا يرتّب مسؤوليّة مشتركة لتحقيق النهوض، لأن لبنان الذي غرق في الفوضى منذ 13 نيسان 1975، لا يزال محكوماً بثقافة ميليشيوية، وإن تغيرت وجوه، وأسماء، وعناوين، ومواقع، بفِعل القضاء والقدر، او بفعل بعض التأثيرات والمتغيرات الخارجيّة.

سلام لم يحمل السلاح، ولم يؤسس ميليشيا، ولم يستثمر يوماً في أزقة المذهبيّة والطائفيّة، ولم يقطع طريقاً، ولم "يشبّح" على مواطن، ولم يثقل ذمته بدم بريء، ولم يخطف على الهويّة، ولم يجن الثروات من فلس الأرملة، حافظ على إرث سياسي في بيت وطني، انكفأ عندما كان قدر الأوادم أن ينكفئوا، وخرج الى شرفة الوطن بكرامة، وبالمقدار الذي أتيح له، من موقع احترامه نفسه والآخرين.

الذين اختاروه إنما فعلوا لإلمامهم الواسع بواقع لبنان، والتحديات التي يواجهها. لم يكشف أيّاً منهم النقاب عن اسمه وهويته، وتركوا للمحللين أن يَصولوا ويجولوا، ويبرعوا في رسم الروايات والسيناريوهات، ويخوضوا بالأسماء بدءاً بالولايات المتحدة، وروسيا، مروراً بفرنسا والاتحاد الأوروبي، وصولاً الى السعودية، وإيران، وتركيا، وانتهاء بجزر القمر… بالطبع هناك سياسة، وتدخلات، وأحلاف، وحسابات، ومصالح.

ولكن الذي اختار هو الخارج المتابع والمهتم بالشأن اللبناني كجزء من اهتمامه العام بالشأن الإقليمي والدولي، وهذا الخارج الذي لا بدّ من أن يكشف عن قرعته يوماً، يريد، أو يُطلب منه التدخل لمنع الانهيار والسقوط نحو الهاوية، والحؤول دون وقوع الفتنة السنيّة ـ الشيعيّة، لا حبّاً بالسنّة او الشيعة، بل حبّاً باستمرار لبنان على رغم كلّ علّاته ونواقصه، لأنّ هذه الفتنة إذا ما اندلعت فإنها ستأتي على الأخضر واليابس، ولن تنتهي إلّا بانتهاء الكيان، وتلاشيه، وزواله عن الخريطة.

الخارج الذي اختار، لا يريد أن يستوطن الفراغ المؤسسات الرسميّة، ولا يريد رئيساً مكلّفاً بلا حكومة، ولا يريد حكومة تصريف أعمال الى ما شاء الله، ولا يريد فراغاً على مستوى السلطة التشريعيّة، ومجلس النواب، ولا على مستوى رئاسة الجمهورية، وقُمرَة القيادة، يريد حكومة يصنعها التفهّم والتفاهم، وبمساعدة الخارج عند الضرورة، وقانون انتخاب من حواضر التوافق اللبناني ـ اللبناني، ويريد انتخابات نيابيّة حتماً، وتداولاً للسلطة، وتغييراً بمقدار عزم اللبنانيّين على التغيير، او بمقدار ما يسمح لهم بإحداث هذا التغيير.

أما الذين سمّوا سلام، فهم من حواضر البيت. معروفون بوجوههم، وأقنعتهم، وذممهم، ونفسياتهم، وسلوكياتهم، وشطاراتهم في صَون مصالحهم والزود عنها. هؤلاء سيمارسون هوايتهم المفضّلة، سيقدمون على الحكومة، على الانتخابات، على الاستحقاقات، على اغتصاب المواقع والحصص و"الكوتات" كلّ بشطارته، وحيَله. ولكلّ من هؤلاء خارجه الذي يَستقوي به.

والمعركة الفعليّة ليست بين هم في 8 او في 14 آذار، لأنهم في النهاية أخوة في الشركة التي اسمها لبنان، وفي توزيع الحصص، والمغانم. المعركة الفعلية هي مع الخارج الضامن، والمصمم على مَنع الانزلاق والوقوع في الفراغ؟!.

إختيار سلام بداية لمعركة بين الأوادم والفساد بهدف إحداث التغيير، فهل الخارج الذي اختاره سيساعد الأوادم على إحداث التغيير؟

السابق
سقوط الدور السوري
التالي
الضاهر: شعار “جيش وشعب ومقاومة” طواه الزمن