خلاف على أمر قائم

تأليف الحكومات في لبنان صار عملية مؤلمة مثل قلع الأضراس. والأشد إيلاماً أن القاسم المشترك بين تجارب الحكومات على أنواعها هو الفشل في الأداء. والكل تقريباً يفاخر بالقول إن هذه المعاناة هي الثمن المقبول لاستعادة اللبنانيين حرية الخيار والقرار. لكن البعض يعيد التذكير بأن الحرية ليست كاملة ما دامت التوازنات الداخلية مفتوحة على الموازين الخارجية، وسط تعدد الوصايات بعد أيام الوصاية الأحادية. فهل هناك فرصة للخلاص من لعنة التأليف على مدى أشهر من المماحكات والشروط والشروط المضادة والقتال على الحصص وجعل الوزارات السيادية مطوبة لمذاهب محددة والوزارات المدهنة وقف لأحزاب معينة؟ واذا كانت الرغبة معلنة، فماذا عن القدرة؟
التوقعات تصطدم كالعادة بالوقائع. فليس بين التوقعات، مهما بالغ أصحابها في التفاؤل، إخراج لبنان من مأزق الانقسام الحاد بعوامله المحلية والإقليمية والدولية. لكن الوقائع، مهما تكن قاسية، ليست مانعة بالمطلق لتحسين شروط العيش في المأزق، أو أقله للاتفاق على ما يسميه وليد جنبلاط تنظيم الخلاف. واذا صح أن ما نسمعه من العواصم الإقليمية والدولية يعبر عن مواقفها الحقيقية، فإن المناخ ملائم للحد الأدنى من الاستقرار والذهاب الى الانتخابات. وليس من المعقول أن تكون الدول أرحم بلبنان من أبنائه وأشد منهم حرصاً على الدولة. ولا من المقبول أن تجعل القوى المحلية البلد رهينة عصبياتها ورهاناتها على تطور الأحداث في المنطقة.

مفهوم أن تتباين الآراء في المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف تمام سلام حول نوع الحكومة وصيغتها وتحديد مهمتها اذا كان المسار هو البدء من التفهم للوصول الى التفاهم حسب الشعار الذي رفعه الرئيس صائب سلام. لكن اللامفهوم، إلا في إطار الحرص على المسار الانحداري، هو تكبير الأهداف في مرحلة تتطلب الواقعية. فلا البديل من حكومة غطت الانخراط الأحادي لأحد مكوناتها الأساسية في حرب سوريا هو حكومة تجمع ممثلي الانخراط المزدوج في الحرب. ولا المسألة الان هي ما يتضمنه البيان الوزاري بل التفهم على قانون انتخاب.
والمفارقة كبيرة: خلاف على شيء قائم على الأرض يريد المتمسك به أن يستمر تكريسه على الورق، وهو مثلث الشعب والجيش والمقاومة. واتفاق على شيء لا يزال على الورق، مع أن من الضروري والملحّ أن يصبح على الأرض، وهو اعلان بعبدا الذي يتضمن التزام تحييد لبنان عن المحاور الإقليمية والدولية.
ولا شيء يكشف عمق الأزمة أكثر من استمرار الخلاف على أمر خطر بعد التوصل بالإجماع الى الاتفاق الذي يساهم في انقاذ لبنان. ومن هنا يبدأ تأليف الحكومة أو نستمر في عملية قلع الأضراس.

السابق
الأزهر بين التشييع والتسميم
التالي
حكومة تسلية إلكترونية