حذار إرضاء “الجميع”

ليس تفصيلا نافلا بالنسبة الى الرئيس المكلف تمام سلام ان "تعود" اليه رئاسة الحكومة بعد اربعين عاما من ترؤس والده الزعيم صائب سلام آخر حكوماته في عصر الاستقلال الاول. وتبعا لذلك سيكون دخوله نادي رؤساء الحكومات معمودية تحمل صيغة خليطة بين مذاق ارث زعامة من زمن ما قبل الطائف وتعقيدات زمن ما بعده.
وقبل ان يغرق الرئيس المكلف غدا في نيران التأليف سيتعين عليه ان يواجه قاعدة ذهبية وقسرية تنطبق على الحكم كما على الحياة العادية : من يسعى الى ارضاء جميع الناس مصيره الفشل المحتوم .
بدا الرئيس المكلف في اطلالاته الاولى متنبها الى هذا المحظور عقب اغراقه بالتكليف القياسي. ومع ذلك سيكون مراسه في " مواجهة " فورة المكلفين على محك شخصي وسياسي صعب حتى لو اتسمت حكومته بالطابع الانتقالي. فهذه "الانتقالية" يحدها بوضوح ان تمام سلام كان مرشح قوى 14 آذار والنائب وليد جنبلاط حصرا مع كل الامتدادات النافرة لعودة اكثرية 2009 الى واجهة "تصحيح " الخلل في التوازن السياسي. كما تحدها طلائع نقلة قيد الاختبار الحذر لـ"حزب الله" حصرا نحو لبننة التسويات الداخلية.
في ذلك قد يغدو البعد الكبير لهذا التطور اكبر من طبيعة حكومة انتخابات، لكن النجل الاكبر للرئيس صائب سلام وضع في عين هذا الاختبار.
قد يكون من الانصاف الموضوعي هنا الاعتراف بان الرئيس نجيب ميقاتي وفر في توقيت استقالته، بصرف النظر عن كل الدوافع والاسباب والظروف والتقويمات، خدمة ذهبية للعبة الديموقراطية وتقديم جرعة مقوية لها بعد طول تكلس. وثمة ما يماثل هذا التطور في الاعتراف للرئيس ميشال سليمان بانه في عناده في تطبيق احكام قانون الستين بحذافيره يمنع شطط الاستباحة الديموقراطية.
وما دامت فرصة تشكيل "حكومة انتخابات" كما وصفها واقعيا الرئيس المكلف قد سنحت، فان واقع الحال يقول ان حكومة تمام سلام، لا يمكنها ان تتجاوز في تشكيلتها اكثرية جاءت بها اصلا وانفتاحا "قيد الاختبار" تكرارا من "حزب الله" والآخرين ولكن من ضمن معايير الديموقراطية الصارمة والناجزة. وحتى لو كانت حكومة انتخابات، فان فرصة الرئيس المكلف تكمن هنا بالذات وليس في اتباع "التوازن". ولعله يقتضي الانصاف ايضا التذكير بان قوى 14 آذار قبعت معارضة سنتين وسلمت بميزان انقلابي على أكثرية منتخبة لانه كان انقلابا مقوننا. وفي المشهد الطالع، وما دام الرئيس المكلف أطلق أفضل مواقفه من تأييد ثورة الشعب السوري، فأفضل الحمايات للبنان هو في جنوحه نحو ديموقراطية الاكثرية الحلال وعلى الآخرين ان يثبتوا انفتاحهم على قواعد اللعبة متى عادت الى خطها واصولها المستقيمة.

السابق
البحرين بصدد إدراج حزب الله بقائمة الإرهاب
التالي
انقلاب “القمصان السود”