لستَ وحدك

هو استحقاق جديد، ليس الاول من نوعه، وليس الاول من حيث قساوته. لقد واجه الجنرال ما هو اصعب في حياته السياسية الطويلة. واذا كان لكل طرف في لبنان ذكرى التحدي الاكبر، فإن للعماد ميشال عون يوما مشهودا، هو 13 تشرين. قيل الكثير في حدث ذلك اليوم. خصومه اعتبروه يوم انهاء الحرب الاهلية في لبنان. وهذا التوصيف صحيح تقنيا لجهة وقف اطلاق النار. ومن معه، لا يزال يتذكره يوما مشؤوما، تآمر فيه العالم كله ضد قائدهم. والعاقلون، وهم قلة، وجدوا فيه منعطفا في تاريخ لبنان، لا هو اعلان نهاية صراع مديد حول شكل النظام السياسي، ولا هو اعلان انتصار مديد العمر. وعندما حانت اللحظة الخارجية لادخال لبنان في الدوامة من جديد، انتهى مفعول 13 تشرين في لحظة واحدة. وخلال اسابيع قليلة، اختارت غالبية مسيحية ساحقة العماد عون زعيما. ولم يخسر يومها تعاطف من يرى في الرجل لاعبا مركزيا في حماية هوية لبنان الوطنية.
ولأن العماد عون يحب لبنان فعليا لا تحت الضغط، اقدم على وضع تفاهم مع حزب الله، شكّل المدخل الحقيقي الاول لانهاء الحرب الاهلية اللبنانية، على قاعدة هوية لبنان العربية في مواجهة داعمي بقاء اسرائيل في المنطقة. وقد دفع ثمنا باهظا لهذا الخيار. خسر من جديد فرصة ان يكون رئيسا للجمهورية، وتحمل وزر اكبر حملة سياسية واعلامية ومادية وامنية ودبلوماسية شنت ولا تزال قائمة ضده، فقط لانه دافع عن تحالفه مع المقاومة.
لكن هناك من يريد من العماد عون ثمنا يتجاوز قدرة جمهوره على التحمل. فقط لانه يريد حماية موقعه المحاصر بالصيغة الطائفية اللبنانية، وثمن مجرد رفع الصوت ضد الفساد المسيطر على كل الطبقة السياسية القابضة على البلاد. وهو يتعرض اليوم لمحاولة عزل جديدة، يشارك فيها، مع الاسف، بعض الحلفاء من الذين يشعرون بأن «الصيغة» تفرض التنازل امام وحوش الطوائف والمال، وامام سلطة السفارات والقناصل.
ربما يكون السيد حسن نصرالله، الى جانب النائب سليمان فرنجية، من يثق العماد عون بانهما لا يريدان الشر له ولجمهوره ورفاقه، وبأنهما مستعدان لتقديم التنازلات والتضحيات من اجل حفظ موقعه وتعزيزه. لكن، فكرة الدفاع عن «الصيغة» تحتاج الى مراجعة. خصوصا انها «الصيغة» التي يجري باسمها الترويج لحكومة تريد اميركا والسعودية وقوى 14 آذار منها مهمة واحدة، وهي انجاز انتخابات وفق قانون يعطي الحكم لهذا الفريق.
يعني، هناك من يريد من عون التنازل من جديد، ليس كرمى لكرامة لبنان وسيادته الحقيقية، وليس كرمى للتفاهم الذي حققه مع حزب الله، وليس كرمى لحفظ استقرار حقيقي طويل الامد، بل كرمى لمصالحة تأخرت بين قوى تسيطر على البلاد منذ ثلاثين سنة، وبرعاية ووجود كل من تعاقب على الامساك بقرار لبنان داخليا وخارجيا، وهي مصالحة لها ثمن معروف، يبدأ باطالة امد النظام السياسي المتخلف، ويمر بمواصلة سرقة المال العام، سواء الذي يجمع على شكل ديون، او المتوقع ولا يزال ثروة في باطن الارض، ويصل الى حدود تثبيت زعامات مجرمي الحرب باسم التوازنات الطائفية والمذهبية.
المداولات الجارية بشأن موقف العماد عون من تكليف النائب تمام سلام تشكيل حكومة جديدة، كما الآراء المتناقضة القائمة حول تقديراته وآلية اتخاذه موقفه، والحسابات التي يجريها هذا او ذاك، ليست هي نقطة الاهتمام. لأن مجرد التفكير بأن اللاعبين الذين انتظروا الجيش السوري كي يقضي على الجنرال في بعبدا، ليتسلموا هم السلطة من خلفه، هم انفسهم الذين يقودون اليوم حملة العزل الجديدة. وفي سرهم، لو ان النظام السوري يشن غارة على الرابية مثلا.
ليس مهماً كل هؤلاء، المهم هو حزب الله، والتحدي أمام قيادته هو منع ترك العماد وحيداً، ومقاومة فكرة عزله التي تعني كارثة بكل المعاني لتيار المقاومة وناسها وشهدائها. وهي كارثة لن ينفع معها ندم كالذي جاء بعد اسابيع على التحالف الرباعي المشؤوم عام 2005.
يبقى ان على الشارع ان لا يقف صامتا، وان يقول للعماد اليوم: لست وحدك!

السابق
الرياض وصيغة “ل – ل”!
التالي
زمن التحريم والخطوط الحُمر