جنون ساكني بعبدا وأوهام بائع المختارة

كأن مشهد الجنون اللبناني لا ينقصه الا آخر مبتكرات القصر الجمهوري. يبدو أن الرئيس ميشال سليمان يحتاج الى من يذكّره بأن الشعب لم ينتخبه رئيساً للجمهورية، وبأن التسوية، التي حملته من اليرزة الى بعبدا، قامت على قاعدة انه لا يملك حق المبادرة، الا في حال كانت محل اجماع من اختاروه. لذلك، لم يكن أي من الاطراف ليزعل لو ان سليمان حافظ على صمته، بدل ان يقرر، وهو الذي أقسم على احترام الدستور وحمايته، ان يخرقه، وأن يبحث عمن يساعده على خرقه، ولو أدى ذلك الى حرب اهلية.

أكثر من ذلك، يبدو ان رئيس الجمهورية لم يتعلّم من دروس الماضي، لا عندما كان قائداً للجيش حيث الحكمة تتطلّب النظر من حوله ومن خلفه وأمامه قبل السير بالجنود، ولا أدرك عندما باشر عهده معنى تجاوز حدود السلطة كما فعلت حكومة فؤاد السنيورة يوم قادت البلاد الى احداث 7 أيار. ولأن الرئيس يواجه استحقاقات لم يعد لها اي معنى وطني يخص كافة اللبنانيين، فها هو يعتقد، من كل ما جرى حتى الآن، بأن في مقدوره ملء الفراغ التشريعي والتنفيذي والدستوري والقضائي، وبأن له أن يقرر، هو، اي قانون للانتخابات يناسب اللبنانيين، وحتى أي حكومة يجب ان تشرف على هذه الانتخابات، ناسياً ان المشاورات الحقيقية الجارية في شأن الملف الحكومي لا تشمله، ليس لأن من بيده الامر يريد تجاوز رئاسة الجمهورية، بل لأن الرئيس نفسه لا يمثّل، فعلياً، الا عنوان الفراغ.

قرّر سليمان ان من حقّه تعطيل عمل مجلس الوزراء اذا سقط اقتراحه بالتصويت. هكذا قرر خرق الدستور الذي يحيل الخلافات داخل الحكومة الى التصويت. ولما استقالت الحكومة، بقرار من رئيسها نجيب ميقاتي، عاد عماد بعبدا وقرر ان في امكانه دعوة مجلس الوزراء من جديد، وإجبار حكومة تصريف الاعمال على الأخذ باقتراحه المرفوض الخاص بهيئة الاشراف على الانتخابات من دون حاجة الى تصويت، وأرسل من يبحث له عن فتوى تجيز تحويل اموال من صندوق الكوارث الوطنية، او من الهيئة العليا للاغاثة، او ربما الصندوق البلدي ــــ العلم عند الله ــــ كاعتمادات لوزارة الداخلية تمكّنها من إجراء الانتخابات. المهم ان فخامته يريد تمويل ادارة الانتخابات. والرئيس الذي أفاق على احترام الدستور، يريد اجراء الانتخابات في موعدها، بكل براءة. وطالما لم يجر الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، فلماذا لا يلزم اللبنانيين بخوضها على اساس القانون الموجود، اي قانون الستين؟
مرصد بعبدا

حسابات رئيس الجمهورية، التي لا تركب على قوس قزح كما يقول العامة، تستند الى صورة المشهد السياسي الداخلي، بحسب آخر نشرة صادرة عن الرصد في بعبدا، وفيها:

ــــ لقد فرط التحالف الذي كان يقف خلف حكومة ميقاتي، ولم يعد النائب وليد جنبلاط مضطراً الى ــــ او قادراً على ــــ مخالفة توجهات السعودية والذهاب بعيداً عن وجهة تيار المستقبل.

ــــ ان القوى المسيحية التي سارت في مشروع قانون اللقاء الارثوذكسي صارت في حلّ منه، بعدما أعلن فخامته انه لن يوقع القانون إذا أُقر، بل سيطعن فيه امام مجلس دستوري مطعون في دستوريته اصلاً.

ــــ ان العماد ميشال عون يخوض معركة البقاء، كما يفترض الرئيس، وبالتالي فان المعلومات الواردة الى القصر الجمهوري تفيد بأن جنرال الرابية قرّر السير بعيداً عن حلفائه في 8 اذار. وسيخوض الانتخابات وفق قانون الستين، كما ان النائب سليمان فرنجية لا يرفض هذا القانون الذي يحفظ له حصته.

ــــ ان الشيعة في لبنان سيواجهون اول انقسام حاد في صفوفهم منذ عام 2005. وبحسب معلومات سليمان، لا مانع لدى الرئيس نبيه بري من بقاء قانون الستين، وهو لم يحل مشروع اللقاء الارثوذكسي الى الهيئة العامة لأنه لا يريده. كما أن رئيس المجلس، بحسب مرصد بعبدا، «سيتمرد» اخيراً على حزب الله. وبالتالي فان الشيعة امام خيار من اثنين: اما السير بقانون الستين، او تكرار «خطأ» المسيحيين بمقاطعة انتخابات عام 1992. والرئيس موقن، في هذه الحال، بأنه سيكون هناك مرشحون شيعة لهم تمثيلهم يفوزون بالتزكية.

صاح الديك في حديقة جارنا، فقفزت دجاجتنا مرتعدة. طارت البيضة من تحتها. هرعت والدتي التي تحمل شقيقي لتمسك بها، فسقط من يده رغيف الخبر. نظرت شقيقتي التي كانت تغسل الصحون لترى ما يحصل، فسقطت المقلاة من يدها على الموقد المشتعل، حيث وقع الرغيف والبيضة… ليس هكذا تعد عجّة الصباح يا فخامة الرئيس!
من يشتري بضاعة جنبلاط؟

وكي يكتمل المشهد، يطل على اللبنانيين البائع المتجول، دائماً، وليد جنبلاط. في المرة السابقة، حمل بضاعته الى حزب الله ممثل محور الشر السوري ــــ الايراني. كفل الاوروبيون صفقته. وقبض ثمن «لحظة التخلي الجديدة» مضاعفة، حصة وازنة في الحكومة، وتوقف اللعب في حديقته الخلفية. اليوم، يجد سوقه رائجة أكثر عند تيار المستقبل، ممثل محور الخير الخليجي ــــ الاميركي. لكنه قرر رفع السعر. يتصرف مع الشاري الجديد كراغب في الصفقة، لكنه ليس محشوراً كثيراً. فالزبون الاول لا يزال يعرض تجديد العقد. يدرك جنبلاط ان ليس بالامكان تحصيل سعر افضل، لذلك يراهن على ان الشاري الجديد سيدفع اكثر.

حالة جنبلاط مثل حبة العدس التي لا تعرف ظهرها من بطنها. يعتقد ان في الامكان مسايرة سليمان في لعبة تمرير قانون الستين، ويعرض، في الوقت نفسه، على الشيعة بازار القانون المختلط، شرط حفظ حصته النيابية واعادة ما خسره في قضاء بعبدا، وكذلك حفظ حصته الوزارية شرط اقصاء العماد عون عن وزارات الثروات الوطنية. لم تعد الوزارات السيادية هدفاً له هذه الايام. وطالما أن خزينة الدولة فارغة، فلماذا لا يأمل بشريك في وزارات الاتصالات والنفط والغاز، طالما ان خليفته يتدرب جيداً على ادارة الشركات المتخصصة في هذا العالم.

رهان جنبلاط على السوق لا يكتمل من دون مناورات متنوعة. يصر على التواصل والتهدئة مع حزب الله، ويرد التحية لمير خلدة باحثاً عن وحدة درزية. لكن نظره الفعلي يتركز على مكان آخر… على سوريا. لا يهتم لمن يفوز بالحرب الدموية القائمة هناك. حقده على النظام يعمي بصيرته السياسية. وما يتسرب له من سيناريوهات عن التقسيم الجديد يجدد حلمه القديم. فتراه منشغلاً في ترتيب انقلاب دروز سوريا على بشار الاسد. وهو ينتظرهم في وادي التيم ليحمله الى جبل الباروك وساحل الشوف. ولن يمانع ــــ المسكين لا يقدر ــــ ان استعاد الدروز صلات القربى والتواصل بين سوريا وفلسطين ولبنان، فذلك يفتح الافق امام شريط حدودي على شكل دويلة يتوهم كثر انها ستكون الفاصلة بين الدولة اليهودية ودويلات شمال بلاد الشام وبرها اللبناني.

طيّب، لنجرب الامر بالمقلوب. يقرر حزب الله ان يرسل الى جنبلاط بريداً عاجلاً كالذي وصل الى ميقاتي قبل لحظات من استقالته. وفيه «تحيات سماحة السيد واعتذاره عن عدم حاجة الحزب الى بضاعة جنبلاط، وانه في حلّ من الاتفاق، وليعرضها للييع حيث يرى مصلحته».

ترى كيف سيكون المزاد عندها، وكم ستدفع السعودية او سعد الحريري ثمن بضاعة كاسدة؟

ربما من الافضل لجنبلاط ان يحمل سلة بيضه، ويقصد قصر بعبدا، عله ينجو بقرص عجة من الحجم الطبيعي، فيتقاسمه مع فخامة الوقت الضائع.

جنون ساكني بعبدا وأوهام بائع المختارة

السابق
أميركا عينها على نفط لبنان
التالي
ملابس داخلية تصعق المتحرشين