8 و14 آذار يرفضان عودة ميقاتي

لم تَحسم المداولات الدائرة بشأن تسمية رئيس للحكومة شكل الحكومة، ولا مواصفات رئيسها. ما حُسم حتى ليل أمس هو لائحة تضم أسماء بعض من يُفتَرَض إبعادهم عن تولي الرئاسة الثالثة. يبدو أن اسم الرئيس نجيب ميقاتي يتجه سريعاً للانضمام إلى هذه اللائحة

تى ساعة متأخرة من ليل أمس، كان الأمر الوحيد الذي اتفق عليه طرفا النزاع السياسي في لبنان هو إسقاط اسم الرئيس نجيب ميقاتي من قائمة المرشحين الجديين لرئاسة الحكومة العتيدة. وإذا أراد السائل أن يتوخى الدقة، يمكنه الوصول إلى نتيجة تفيد بأن عودة ميقاتي باتت بحاجة لقرار سعودي واضح. والقرار لن يصدر إلا بعد فك الملك عبد الله بن عبد العزيز الحداد على أخيه بدر.
طوال يوم امس، جهد النائب وليد جنبلاط لنفي ما نُقِل عنه لناحية أنه أبلغ السعودية بأنه سيسمي أي مرشح لرئاسة الحكومة يختاره الرئيس سعد الحريري. ولهذه الغاية، اجرى جنبلاط سلسلة اتصالات، إما مباشرة، او عبر مساعديه. ومن بين الذين شملتهم الاتصالات، رئيس المجلس النيابي نبيه بري (بالواسطة) وقيادة حزب الله (اتصل الوزير غازي العريضي بأحد مسؤولي حزب الله لنفي ما نُشِر أمس في الصحف).
وأكد مساعدو جنبلاط انه مستمر بسياسته الوسطية، والتشديد على ضرورة التوافق على اسم رئيس لحكومة لا تقصي أحداً. في المقابل، المصادر التي أكدت أول من أمس أن جنبلاط سيسمي من يسميه الحريري، أصرّت على ما ذكرته. وبين الإثنين، رأت مصادر رفيعة المستوى في فريقي 8 آذار و14 آذار أن الوعد الذي قطعه جنبلاط للسعوديين يقضي بعدم تسمية رئيس للحكومة لا يوافق عليه الحريري. بمعنى آخر، لن يسمي جنبلاط الرئيس نجيب ميقاتي الذي يرفضه الحريري بصورة قاطعة.
في الفريق الغربي الذي ينتمي إليه الحريري، تؤيد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عودة ميقاتي إلى السرايا الحكومية. من يلتقون السفراء يسمعون كلاماً واضحاً بهذا الشأن. لكن حلفاء الحريري الأقربين، والاكثر تأثيراً عليه، لا يزالون ملتزمين الصمت. فآل سعود لم يعلنوا موقفاً واضحاً ضد ميقاتي. ربما حفظوا له «جَميل» استقالته بعدما تمنوا عليه ـــ عبر سفيرهم في بيروت علي عواض العسيري ـــ السعي للتمديد للواء أشرف ريفي. لكنهم في الوقت عينه لم يطلبوا من الحريري التراجع عن موقفه الرافض لتمسية ميقاتي. فرئيس تيار المستقبل، بحسب عارفيه، «سامَح ميقاتي على ما فعله به عام 2011، بعد إخراجه من السرايا، لكنه لم يصل إلى حد تكريمه بإعادته لرئاسة الحكومة». فضلاً عن الشق «الشخصي جداً» من هذه المسألة، لن يرضى الحريري بالبقاء خارج السلطة لأجل غير محدد. فهو يخشى ان يمتد عهد ميقاتي المقبل «إلى ما لا نهاية»، او على الأقل، أن «يستمر لسنين لا لأشهر».
وفضلاً عن سعد الحريري، يبدو واضحاً أن جزءاً لا بأس به من القوى الساسية لا يريد ميقاتي. القوات اللبنانية تقول إنه لا يزال من بين المرشحين المحتملين، لكنها في الحقيقة لا تريده. لن تضيف القوات عامل توتر جديداً إلى عدم الاستقرار القائم بينها وبين حليفها الأزرق. وفي الفريق المقابل، كان النائب ميشال عون يعرض على مسامع حلفائه الذين زاروه قبل يومين معادلة شديدة البساطة: إذا كنتم تريدون نجيب ميقاتي، فلماذا سمحتم له بالرحيل؟
بين حلفاء الجنرال، لم يقل أحد إنه يؤيد عودة ميقاتي «لسواد عينيه». قيل لرئيس تكتل التغيير والإصلاح إن فريق الأكثرية الوزارية السابقة عاجز عن تسمية رئيس جديد للحكومة، من دون شراكة مع «الوسطيين»، وتحديداً مع جنبلاط. الأمر ليس بحاجة لمعادلات كيميائية، بل إلى حسابات عادية جداً: 1 زائد 1 يساوي 2.
لكن موقف جنبلاط المصر على الوقوف على خاطر «الشيخ سعد» قلب المعادلات. فقوى 8 آذار كانت سترضى باسم ميقاتي لأن «جنبلاط اعطى كلمة للحاج نجيب». وهذه المعادلة سقطت، او تكاد. ولا يعيدها إلى التداول إلا قرار ملَكي واضح يصدر من أرض الحجاز، يُلزم سعد بن رفيق الحريري، بتسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، او على الأقل، بأن يغض الطرف عن تسميته. وقبل أن يقلب جنبلاط المعادلة، لم تكن كل مكونات فريق 8 آذار الرئيسية متحمسة لعودة ميقاتي. فإضافة إلى عون، ثمة في حزب الله من يرى وجوب البحث عن خيار آخر. وفي الحزب أيضاً من يتطرّف إلى حد تفضيل «الأصيل سعد الحريري» على «الوكيل نجيب ميقاتي».
وخلف هؤلاء، ثمة موقف النظام في سوريا. صحيح أن أركانه منشغلون بما يجري في بلادهم، وهم بالكاد يتابعون أخبار لبنان عبر الشاشات والصحف. ورغم ضعف تأثير هذا النظام على المعادلات اللبنانية وتركه إدارة الشأن السياسي فيه لحلفائه، فإن ما يتسرب من دمشق يوحي بأنها لا تحبّذ عودة ميقاتي إلى قشلاق بيروت العثماني.
خلاصة ما تقدّم هو ان نجيب ميقاتي لن يعود رئيساً للحكومة، إلا إذا حمل أحد أفراد العائلة الحاكمة لأرض نجد والحجاز وما حولهما، هاتفَه واتصل بالنائب وليد جنبلاط قائلاً: «نجيب كويّس، وخلّي سعد علينا».

السابق
كارثة الكيماوي الإضافية في سورية
التالي
المر والأكثر مرارة في الموضوع السوري