المجلس ملزم بالاستمرارية

ماذا إذا لم يصدر قانون جديد للانتخابات النيابية ولا قانون يمدد ولاية المجلس الحالي قبل انتهائها؟
سؤال أخذ طابع الجدية بعد أن عمد أكثر من طرف سياسي إلى استشارة أكاديميين من أصحاب الاختصاص الدستوري بشأن ما يمكن أن يحصل إذا لم يصدر القانونان. وبالرغم من تسليم الجميع بأن الجهد الذي يبذله رئيس مجلس النواب نبيه بري لمنع حصول هذا الأمر لافت، ومن الصعب إن لم يكن مستحيلاً أن لا ينتهي بصيغة للحل كما تظهر السوابق، لكن السؤال يبقى مطروحاً: ماذا إذا لم يصدر القانونان؟
لم يغفل المشترع الدستوري وضع احكام لملء الفراغ في المؤسسات الدستورية، سيان أكان مؤقتاً أو جزئياً، بما لا يؤثر في استمرار عمل المؤسسة. ويبرز ذلك في المادتين 62 و74 ـ دستور بالنسبة لرئاسة الجمهورية والمادة 64 بالنسبة للحكومة إذا ما اعتبرت مستقيلة. إلا انه بالنسبة للمجلس النياب، اكتفى بوضع احكام لملء الشغور في المقعد النيابي الفردي واحكام بالشغور الكامل الناتج عن حل المجلس قبل انتهاء ولايته كما يتبين من المادة 55 دستور ولم يعتقد المشترع للحظة أن نواباً يعطلون إقرار أي مشروع لإجراء الانتخابات قبل انتهاء ولايتهم ولا يقدمون حتى على تمديد ولايتهم بعد انتهائها!
ولكن هل هذا يعني أن الأحكام الدستورية التي أخذ بها المشترع الدستوري عاجزة عن استنباط حل دستوري لملء فراغ السلطة التشريعية؟
الجواب هو لا، والأسباب عديدة منها:
1 ـ أن فراغ السلطة التشريعية يعني في أبسط الأمور انحلال كيان الدولة اللبنانية ونظامها، ولذلك فإن الحؤول دون الوصول إلى تلك الحالة من شأنه أن يعطل أي ذريعة تحول دون المنع، حتى وإن كانت متعارضة مع احكام الدستور، فالمصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار.
2 ـ ما يشير إلى ذلك أن بعض الدول عمدت إلى تمديد ولاية مجالسها بعد انتهاء ولايتها تجنبا لرهبة حصول فراغ في السلطة رغم أن دساتير تقضي بإجراء انتخابات وهذا ما حصل في لبنان سنة 1976 عندما بدأت سلسلة تمديدات لولاية المجلس المنتخب سنة 1972 لثماني مرات متتالية استمرت مفاعيلها حتى سنة 1992، وجاء في الأسباب الموجبة للتمديد الأول «لأن تعذر إجراء الانتخابات يؤدي إلى فراغ دستوري في السلطة التشريعية ويستلزم البحث عن مخرج يحفظ دعائم الشرعية والدستورية في البلاد». وهذا ما جرى أيضاً في دول اخرى منها فرنسا وبريطانيا. ومهما كان الفارق بين الأسباب الموجبة للتمديد والأسباب الموجبة لأي حل آخر على غرار ما يمكن ان يحصل اليوم، فإن أهدافهما تبقى واحدة وهي الحرص على عدم حصول الفراغ في المؤسسة التشريعية.
3 ـ لذلك فإن تجاوز الإشكالية المحتمل حصولها عندنا عند انتهاء ولاية المجلس النيابي يستلزم وجوباً ان يستمر المجلس الذي انتهت ولايته بممارسة صلاحياته وفق المفهوم الضيق لتصريف الأعمال.
وما يبرر استمرارية المجلس الحالي في ممارسة الصلاحيات للحؤول دون فراغ السلطة برغم عدم وجود نص صريح وواضح يشرع الاستمرار ضرورة العمل بالمبدأ الدستوري «الأممي» القائل باستحالة حصول فراغ في المؤسسات وهو المبدأ الذي استند إليه المجلس الدستوري اللبناني في أكثر من قرار، كما أخذ به المشترع، كما ورد سابقاً. ولهذا فإن أي مستجدات طارئة يمكن أن تحدث فراغاً في المؤسسات تكون محكومة بسد هذا الفراغ بما تشير إليه النصوص أما إذا لم يكن من نص فيتم ملء فراغ المؤسسة باستمرار تلك التي انتهت ولايتها وتبقى مستمرة حتى نشوء البديل المالئ للفراغ.
وإذا كان القياس في التفسير متاحاً يجب التوقف عند المادة 55 ـ دستور التي شرّعت حل مجلس النواب عند توافر أسباب محددة. وجاء في القسم الثاني منها: عند حل المجلس «تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد». وانتهت المادة بالتالي: «وفي حال حل المجلس وعدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المحددة في المادة 25 ـ دستور يعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لاحكام الدستور».
يتبين من هذا النص انه عندما يصبح المجلس منتهي الولاية عملاً بمرسوم حله تبقى هيئة مكتبه تصرّف الاعمال، أي أن الاعمال الداخلية تبقى مستمرة، ومن المعروف ان رئيس المجلس هو رئيس الهيئة. وعندما يصدر مرسوم الحل تكون ولاية المجلس قد انتهت عملياً وتوقفت ممارسة صلاحياته، ولكن إذا لم يظهر البديل، فعندها يتوقف التعطيل ويعود إلى ممارسة الصلاحيات بعد ان كان وجوده متمثلاً بهيئة المكتب.
وقياساً على ذلك، يمكن القول إن المشترع رفض إحداث فراغ كامل في المؤسسة التشريعية عندما حصّن وجود هيئة المكتب بعد صدور مرسوم الحل، فهل إذا ما انتهت ولاية المجلس الحالي من دون تمديد او انتخاب البديل يمكن ان تبقى هيئة المكتب قائمة؟ إذا كان ذلك ممكناً، فلماذا لم يشر النص إلى تعميم هذه الحالة بحيث تمتد مفاعيل احكامها إلى ما يمكن ان يكون محتمل الحدوث عندنا؟ وإذا لم يكن ممكناً، فلماذا اجاز استمرارية الهيئة بعد ان أصبح المجلس منحلاً ولا تكون الاستمرارية ممكنة في الحالات الاخرى؟ ويبقى الأهم من هذا أن المشترع استعاد للمجلس صلاحياته ودوره بعد ان انتهت ولايته بصدور المرسوم، فلماذا لا يؤخذ بذلك بعد ان تكون صلاحياته قد تعطلت بعد انتهاء الولاية؟

السابق
اغتصبتا دفاعا عن فلسطين
التالي
واشنطن تحذر “الحر” وباريس تستبعد تسليحه بعد مجزرة الجامعة