حكومة التسوية المستحيلة

حوار. استشارات. من يسبق من؟ لا جواب فعلياً عن كل التساؤلات المطروحة على الساحة السياسية بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي. رئيس الجمهورية ميشال سليمان سيعود من الدوحة ليدعو إلى حوار يبدو أن غالبية القوى السياسية تتهرب منه. وحدهم الوسطيون يريدونه. يبدو أيضاً أن عيون فريقي 14 و8 آذار، على الثلاثي الوسطي. عيونهم على النائب وليد جنبلاط أولاً.

إلى الآن الأمور معقدة. كلٌّ يحاول البحث عن الأنسب له. الأكثرية لن تمشي في حكومة إنقاذية ـ حيادية. الأقلية تريدها اليوم قبل الغد. الطرفان لا يريدان الحوار، كل بحسب أجندته. الأوّل يريد معرفة جدوله، ولن يناقش سوى قانون الانتخاب. الثاني، يريد الجدول، ويريد قبل ذلك الاستشارات. في الفريق الثاني من لا يُدرك ما يريده وما الذي سيفعله في المقبل من الأيام، حال دعوة الحوار أو تحديد زمن الاستشارات.

بين هذا وذاك، يظهر رئيس مجلس النواب نبيه بري. يضع تاريخ الخامس من نيسان المقبل موعداً لدفن قانون الستين، ليس أكثر. أوساط سياسية مطلعة تقول: الدعوة إلى هيئة عامة تبحث إلغاء قانون الستين خطرة. فهناك من سيدعو إلى التصويت على قانون اللقاء الأرثوذكسي، وفريق آخر سيدعو للتصويت على التمديد للواء أشرف ريفي، وهذا ما يعرفه الرئيس بري فلماذا يدخل بمجازفة قد تُشعل الخلاف من جديد، وتؤثر على الحوار وعلى الاتفاق على شكل الحكومة المقبلة؟ إلّا إن كان ما يفعله يأتي ضمن اتفاق يسبق الجلسة العامة، وهذا ما لم يحصل إلى الآن. بكل الأحوال جلسة لإلغاء قانون لا أساس دستوري أو قانوني لها. تختم الأوساط.

وبالعودة إلى تشكيل حكومة جديدة، لا يبدو لدى فريق 14 آذار أي خطة عملية لما يُمكن أن يحصل. لا اتفاق أصلاً على اسم رئيس جديد للاستشارات، ما هو مؤكد أن اجتماعاً موسعاً لهذه القوى في بيت الوسط الأربعاء من أجل الاتفاق على مرشحها للاستشارات، وعلى موقف موحد من دعوة بري لجلسة تدفن قانون الستين مع إمكانية بحث ما يمكن الاتفاق عليه من قانون انتخابي انطلاقاً مما وصل إليه "المستقبل" و"الاشتراكي" في وقت سابق. تقول مصادر هذه القوى في هذا السياق: سعد الحريري لن يكون مرشحاً، واسم فؤاد السنيورة مُستبعد في هذا التوقيت. أسماء أخرى؟ لا تملك المصادر الإجابة في انتظار الاجتماع الموسّع. تضيف: ما هو أكيد أننا نميل إلى حكومة حيادية تقر قانون انتخابات وتشرف عليها تحت شعار إعلان بعبدا. الكل في انتظار ما سيكون عليه موقف النائب وليد جنبلاط. فهو من يُرجح كفة فريق على آخر.

الكلام عن جنبلاط هو نفسه في المقلب الآخر. الفريقان، 8 و14، لا يتفقان على شيء إلا على اعتبار جنبلاط من يحدد هوية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة. هذا ما لا تنفيه مصادر مقربة من جنبلاط. لكن أوساطه تؤكد أن "الأمور لا يُمكن أن تُطبخ بهذه الطريقة"، تضيف: عندما يعود رئيس الجمهورية سنرى ماذا يقرر، إن دعا إلى الحوار نحن معه إلى النهاية، وإن كان مع استشارات تبدأ في 2 نيسان، نحن معه. الأكيد أكثر بالنسبة لجنبلاط، أن لا مجال إلا للتوافق على الحكومة الجديدة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وهو لن يكون مع طرف يريد إزاحة آخر. تختم الأوساط.

في الكواليس، تداول بصيغة 3 عشرات، حكومة ثلاثينية، 10 وزراء للأكثرية و10 للأقلية وعشرة لثلاثي الوسط. "حزب الله" لن يوافق عليها، فالظروف التي أتت بحكومة ميقاتي لا تزال قائمة، تقول أوساط 8 آذار، وتضيف: هذا يعني أن أي حكومة ستكون، يجب أن تحمل الشعار الأساس: جيش وشعب ومقاومة.

اللافت، أن لا استعجال لدى الحزب للبحث في شكل الحكومة الجديدة. عدم الاستعجال، سينسحب حتى على الاستشارات التي ستكون مبدئياً بعد عيد الفصح. "حزب الله" كما يقول مقربون منه، لن يخطئ كما فعل في السابق (إشارة إلى تسمية ميقاتي والضمانات التي يقول الحزب أنه لم يلتزم بها اتجاهه). مَن هو حول الحزب طرح اسم الوزير السابق بهيج طبارة. هذا ما رفضته 14 آذار. أمّا الحديث عن عودة نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، دونه عقبات كثيرة، لا تقتصر على رفض الأقلية له، بل تتعداه إلى فيتو وضعته دولة عربية نافذة، لها ما لها في الملف اللبناني وتحديداً في موضوع رئاسة الحكومة. الوزير السابق عدنان قصّار قد يكون الأعلى أسهماً، هذا رهن بشكل الحكومة. إن كانت تكنوقراط، فلا اعتراضات كبيرة عليها. أمّا إن كانت سياسية، فللبحث صلة، أو بالأحرى أمله شبه معدوم.

إذاً، أسماء كثيرة تُبحث، تبدو كأنها تُطرح في سبيل إحراقها. النوايا الجدية غائبة، والواضح أن تشكيل حكومة في المدى المنظور لن يكون بهذه السهولة. تعقيدات المشهد الداخلي مع غياب الحاضن الخارجي يزيد من هذا التعقيد، والكتلة الوسطية التي سترمى في وجهها كرة النار من طرفي النزاع، لا تبدو مستعدة لمغامرة مع هذا الطرف أو ذاك، استمهالاً لتسوية، رعاتها الخارجيين لا يريدونها الآن.

السابق
تحذيرات لبرّي وقهوجي من الاغتــيال
التالي
قمّة المَقْعَد..