وزراء القمصان السود

في بيروت وقبل عامين تقريبا فشلت كاميرات الصحافيين ومعها الهواتف الذكية للبنانيين في أن تنقل لنا صور رجال القمصان السود الذين نزلوا فجرا إلى شوارع بيروت ليغيروا واقعا سياسيا أنتجته انتخابات برلمانية. كانت تلك الواقعة الحدث الأهم إعلاميا وسياسيا حينها وشكلت انعطافة دراماتيكية في مسار الأحداث في لبنان.

برز حينها تعبير «القمصان السود» لوصف الحالة التي نزل فيها عناصر من حزب الله. فهؤلاء انتشروا بلباس أسود دقائق قليلة في قلب بيروت قبل أن ينسحبوا مخلفين ذعرا وضجة وانقلابا سياسيا كبيرا.. لم يستمر عرض القمصان السود أكثر من أربعين دقيقة حينها لكنها كانت كافية لتحقق إسقاط حكومة فريق الأكثرية آنذاك برئاسة سعد الحريري والإتيان بفريق «8 آذار» إلى الحكومة.

كانت قوة القمصان السود حينها وهمية وتكمن في الغموض الذي أريد له أن يقترن بمشهد رجال برداء أسود انتشروا في شوارع المدينة لكن لم تسجل صورهم ولم يبثها لنا «يوتيوب». بقي مشهد الانتهاك مدونا في ذاكرة اللبنانيين ليوضح لهم أن رجال القمصان السود حتى وإن لم تروهم أو تشاهدوا مقابلات معهم على التلفزيون فهم موجودون وأقوياء وأن السلطة بيدهم.

وثبة رجال القمصان السود تسببت في إيصال نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة في لبنان..

ويبدو أنها من تسبب اليوم في استقالته. فـ«القوة الغامضة» التي استعان بها حزب الله لتشكيل الحكومة اللبنانية المستقيلة هي عينها التي استعان بها لإسقاط الحكومة نفسها. في حينها قرر الحزب أن يرسل رجاله فجرا إلى شوارع بيروت ليهدد النائب وليد جنبلاط وقرر أن لا كاميرات تلتقط حركتهم.

فقط خبر في أسفل الشاشة يقول إن رجالا يرتدون قمصانا سودا في شوارع بيروت.. شوهدوا من قبل عابرين إلى أعمالهم ومدارسهم فجرا. انقلب موقف جنبلاط وانضم إلى قوى «8 آذار» وسقطت الحكومة في أعقاب ذلك وتشكلت حكومة ميقاتي.

اليوم استقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بسبب رهاب مماثل.. فحزب الله استعان بـ«وزراء سود» ليحقق نفس المهمة لكن هذه المرة كان ميقاتي الهدف وليس جنبلاط. طوق وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار العوني رئيس الحكومة في أكثر من قضية سياسية ولا فارق هنا في كون ميقاتي نفسه قد أتى إلى السلطة تحت وطأة القمصان السود وهو مدرك لذلك وإعلانه استقالته تحت نفس التأثير تقريبا.

وهنا كان الإعلام أيضا على حافة الحدث فاستعاض اللبنانيون عن صور الوزراء مسقطين رئيسهم بما تخيلوه في يوم مشابه قبل عامين في شوارع بيروت.

ثمة فارق أيضا يمكن رصده بين الواقعتين، فخلالهما تضاعف نشاط اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، فبدد ذلك آلة الغموض التي استعان بها الحزب وتكررت عبارات للبنانيين نسبوا سقوط حكومة ميقاتي بالقمصان السود نفسها التي سبق أن جلبته إلى السلطة.

القمصان السود جلبت.. القمصان السود أخذت.

السابق
سعد راجع
التالي
فعلها ميقاتي: انقلاب على الانقلاب