هناك في “عيترون” الجنوب … الطفولة تتعذب

إن أخر الدواء الكي, لم تكن الكتابة عن الطفلة "فاطمة" واردة إلا بعد أن تيقن أن احداً لم يتحرك بالشكل المطلوب, أو أن أحدا لن يتحرك الا بعد فوات الاوان. فما كان لنا الا أن نجعل من هذه الطفولة المعذبة قضية رأي عام علّنا نساهم في إنهاء مأساة طفلة, لم تعرف طعم الطفولة الا نادراً.
هناك في الجنوب …. طفولة تتعذب, نعم الطفولة المختصرة في زمان ما ومكان ما مغتصبة, مهددة, معذبة, مدفوعة الى التشويه والإنحراف, من المسؤول؟ ومتى تتحرك أجهزة الدولة؟
هي الطفلة " فاطمة" البالغة من العمر 16 عاماً من عيترون في الجنوب اللبناني, هذا الجنوب الذي عانى أطفاله شر الإحتلال وحروب العدو الصهيوني, لم يترك الشر هذا  "فاطمة" تسلم أيضا من شر أبيها وزوجته المعدومين مادياً أيضاً, بحسب الأخبار الواردة من هناك … من الجنوب, فإن الطفلة في حالة نفسية سيئة للغاية, تمضي وقتها بين الحبس في الحمام الى الضرب على أنواعه بين الحين والاخر, وكأنها خلقت لتسالي الاب وزوجته.
"فاطمة" تدفع ثمن طلاق أبويها, فبعدما رفضت أمها إحتضانها بعد الطلاق تكفّل الأب بها ..لكن على طريقته الخاصة للأسف. بينما التقارير تتوالى من هنا وهناك عن عذاب فاطمة, الا أن قضيتها عالقة بين موظفي الدولة العقيمة. لا نظام ولا خطوات عملية من الدولة المصونة تساعد في إنهاء عذاب الطفولة. كل واحد فيهم يرمي المسؤولية على الاخر من المراكز الإجتماعية الى مراكز حماية الاحداث, بحجة ان المشكلة ليست خطيرة الى تلك الدرجة التي تستدعينا الى التحرك بسرعة.
نعم هذه هي المشكلة, لا نتحرك الا بعد فوات الاوان, لا نتحرك الا للندب وتحميل المسؤوليات التي سرعان ما يُنسى حاملينها ويذهب كل منهم في طريقه والطفلة الى طريقها المحتوم .. الى قبرها إما من أثر التعذيب أو عن طريق الإنتحار لربما… من يعرف, غداً حين تصبح أخبارها المتشحة بالسواد على شاشات التلفزة سيبكيها الجميع بمن فيهم موظفين الدولة المسؤولين, سيتناسون أنهم تقاذفوا ملفها وأهملوه قبل أن تموت.
يا عيني عليك يا فاطمة … أتخيل الآن ماذا يدور في رأسك من أسئلة !! ما هذه الحياة التي أعيش فيها؟ لما كلها بكاء وضرب وسجن ؟ أين فسحة الأمل التي يتحدثون عنها في المسلسلات ؟ ولما لا أعطى هذه الفسحة؟ أبي من قتل فيك الرحمة ؟ أمي من نزع من أحشائك الشفقة ؟ أهلي من زرع فيكم الإهمال بحقي ؟ ربي أرحمني وأرحني؟ دمعتي لا تكف عن سرد قصتي على خدي لتروي عذاب طفولتي لأطفال العالم.
أسئلة كلها خالية من الطفولة التي نعرفها.. إنها طفولة من نوع أخر إنها طفولة معذبه من عيترون الجنوب. عيترون الصمود والتحدي التي تستمد فاطمة منها قوتها الى اليوم… لكن من يدري الى متى ممكن تتحمل فاطمة هذه المأساة …؟
 

 

السابق
سامي الخوري: نرفض ادخال الساحة اللبنانية في النزاع السوري
التالي
السفير: طرابلس تستعيد الهدوء بعد انتشار الجيش