سلام لبنان أوّله الحدود

العلاقة بين الداخل والحدود في لبنان أوثق ممّا في أغلب بلدان العالم. فالحدوديّ أمر داخليّ جدّاً، والعكس بالعكس.
هذه العلاقة عاشها اللبنانيّون وخبروها مع اندلاع حربهم الأهليّة أواسط السبعينات، بعدما مُهّد لها في 1969 ثمّ في 1973. يومها كان طرف يريد إقفال الحدود التي ينطلق منها العمل الفدائيّ الفلسطينيّ لشنّ عمليّات في إسرائيل، وقد طالب بعض هذا الطرف بالإتيان ببوليس دوليّ يوضع على الحدود الجنوبيّة مع الدولة العبريّة. أمّا الطرف الآخر فكان يريد لهذه الحدود أن تبقى مفتوحة كي يسهل شنّ العمليّات تلك. ولأجل لبننة هذا الصراع اكتُشف وجود قرى لبنانيّة سبع ضمّتها إسرائيل إليها لدى نشأتها في 1948، تماماً مثلما اكتشفنا مؤخّراً وجود لبنانيّين شيعة يقيمون داخل الأراضي السوريّة وينبغي الدفاع عنهم.
ذاك أنّ عبور الحدود لأيّ سبب كان يملك طاقة اكتشافيّة تأتي فجأة من خارج مداركنا. وقد بلغت هذه الطاقة الاكتشافيّة ذروتها، كما نعلم جميعاً، مع اكتشاف مزارع شبعا إثر الانسحاب الأحاديّ الإسرائيليّ من لبنان في 2000.
فالذي يريد أن يعبر الحدود وأن يقاتل في ما وراءها مُطالَب دوماً بالرجوع إلى الخرائط وتواريخ المناطق والخطوط الفاصلة بين الجماعات هنا وهناك. أمّا الذي لا يريد أن يعبر الحدود وأن لا يقاتل، فيرضى بالحدود في شكلها المعطى ويجد في استقرارها استقراره.
وهذا ما يجد أحد مصادره في رفض الحدود كواحد، موعى أو غير موعى، من معالم الثقافة السياسيّة المناهضة للاستعمار ولما «رسمه» الاستعمار. والشيء نفسه يقال في القابلين بالحدود كإنجاز لم تستطع منطقتنا أن تنتج أفضل منه، وكانت كلّ محاولة لزحزحته تتسبّب بالكوارث.
والآن، وعلى رغم خفوت الصياغات النظريّة والفكريّة لتلك المواقف، نرانا أمام ما رأيناه في أواخر الستينات وفي السبعينات. وها هو القصف السوريّ الذي يطاول عمق الأراضي اللبنانيّة، والمقاتلون اللبنانيّون الذين يتوجّهون إلى سوريّة للدفاع عن النظام، كما عن المعارضة، يحيلوننا إلى تلك التجربة غير السعيدة في تاريخ اللبنانيّين.
وغنيّ عن القول إنّ أحداً لا يستطيع حرمان اللبنانيّ من التعاطف مع الثورة السوريّة أو مع النظام السوريّ. إلاّ أنّ تجاوز الحدود يكاد الآن يرقى إلى جريمة وطنيّة، لا سيّما أنّ السلاح الكيماويّ قد يتحوّل مادّة في الصراع الدائر. وإذا كان ما يحصل على الحدود يملك ارتداده المباشر على بلد بالغ الانقسام، فقد آن الأوان لأن تُرسّم حدود لانقسامنا هذا، أي لبلدنا الذي ليس أكثر من حصيلة انقساماته.
في هذا المعنى يبدو كلّ كلام عن «السلم الأهليّ» و»الحرص عليه» كلاماً كاذباً، كائناً من كان قائله، ما لم يترافق مع موقف جذريّ من الحدود، موقف يرتفع إلى سويّة المطالبة بحياد عسكريّ كامل ومحروس ومضمون. فكيف إذا صحّت توقّعات أكثرنا تشاؤماً من أنّ السلاح الكيماويّ قد يحرّك حدودنا الجنوبيّة فضلاً عن الحركة الناشطة التي تشهدها حدودنا الطويلة في الشرق والشمال؟.  

السابق
زيارة أوباما.. طبخة لن تنضج
التالي
المجندات الإسرائيليات في مواجهة فساد الخدمة الإلزامية