زيارة أوباما.. طبخة لن تنضج

من المتداول عبر تاريخ الرئاسات الأميركية، منذ ستينيات القرن الماضي، أنّ يكون الرئيس محكوماً من جماعات الضغط الصهيونية في فترة رئاسته الأولى، فيكون مضطراً لمسايرة المطالب الصهيونية والانحياز إلى العدوان على الدول العربية أو غيرها، ثمّ يتحرّر بعد انتخابه لفترة ثانية، وربما يرفع صوته في وجه قادة الكيان الصهيوني مطالباً ببعض الاعتدال أو الرضوخ للقانون الدولي ولمطالب الأمم المتحدة وغالبية دول العالم، واستطراداً تنفيذ قرارات المنظمة الدولية ومنها قرارات مجلس الأمن الدولي رغم ما فيها من انحياز ضدّ الحق.
في تاريخ الرئاسة الأميركية شواهد على السلوك الصهيو ـ ماسوني ضدّ أيّ رئيس يخرج على الطاعة، أو يأخذ في الحسبان مصالح الشعب الأميركي، أو يساير القانون الدولي، ولا بدّ من ذكر أنه تمّت تصفية الرئيس كندي لمجرّد قوله بضرورة منع الصهاينة من امتلاك القوة النووية والسلاح النووي، وبعده، تمّ تشويه سلوك أكثر من رئيس والعمل على إسقاطه في الجولة الانتخابية الثانية ومنهم جيمي كارتر، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون.
الرئيس الأميركي في العرف الصهيوني أداة يمكن الاستفادة منها لمرتين كحدّ أقصى، بعدها تنتهي الصلاحية، رغم محاولة بعض الرؤساء تقديم مزيد من الخدمات للصهيونية عبر الانخراط في مؤسسات أو جمعيات تعمل لصالحها على الأرض الأميركية أو عبر العالم.
الغريب وفي سابقة قد لا تتكرّر أن يبادر رئيس أميركي إلى زيارة الكيان الصهيوني في الربع الأول من بداية فترة رئاسته الثانية – ربما لم يفعلها غيره – وهذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدلّ على مدى ضعفه وهزال شخصيته الرئاسية لأسباب كامنة في ذاته، أمام الجبروت والتسلط الصهيوني على موقع الرئاسة الأميركية ودهاليز القرار في البيت «الأبيض»، فما الذي دفعه إلى ذلك وما هي الخلفيات للقيام بمثل هذه الزيارة؟
لا شك أنّ باراك أوباما هو الأضعف بين الرؤساء الأميركيين الذين دخلوا البيت الأبيض، وقلنا قبلاً أنه ليس، ولن يكون صاحب قرار، فقد جاء من صلب المؤسسة المسمّاة حكومة الظلّ، التي تديرها جماعة المتنوّرين، أو بقايا المحافل الماسونية في أميركا، وهو خرّيج المحفل نفسه الذي أنجب الرئيسين بوش ـ الأب والابن، والزوجين كلينتون، والمرشح كيري، الذي أضحى وزيراً للخارجية من جديد، وسلسلة طويلة من الأسماء التي تعشعش في مواقع القرار الأميركي. ومع أنه مساو لكلّ هؤلاء حسب المنبت والمنشأ والالتزام، إلا أنّ في ذاته وجذوره ما يجعله في النظر الصهيو ـ ماسوني أدنى قيمة ومرتبة، وهو يدرك ذلك تماماً، وعليه يمكن البناء أنّ المطلوب منه تجاوز جميع الرؤساء في تقديم الولاء والطاعة لقادة الصهيو ـ ماسونية العالمية.
جاء أوباما صاحب مشروع الدولتين على أرض فلسطين، من حيث الظاهر لتبييض وجه أميركا، بل لمآرب في أفريقيا، وهو صاحب خطاب البحث عن طريق جديدة للتعامل مع الإسلام، وقالوا إنّ تغيّراً جذرياً لا بدّ حاصل في السياسة الأميركية ، حينها هلّل الفلسطينيون، وكان مجيء «أبو حسين»!! مناسبة للفرح والمسيرات وتزيين الشوارع وخاصة في فلسطين، وشماتة ببوش الصغير الذي رفع إصبعه الوسطى لضحايا العراق من المدنيين، ولا ننسى أنّ أوباما الذي رفع شعار عودة الأبناء إلى الوطن… داعب عواطف الأهل وكسب أصواتهم كما كسب أصوات الآخرين، لكن الأصوات التي أوصلته كانت بدعم وتمويل من «إيباك» في مسرحية درامية هوليودية محبوكة تماماً، لكنّها، لم تكن خافية على من يحلّل ويتابع ويدرك الخفايا، وكان لنا حوار بعد أدائه القسم الأول، وسألتني السيدة عزة الشرع عبر الفضائية السورية: ما الذي تتوقع أن يحصده الأخوة الفلسطينيون في زمن هذا الرئيس الذي يحمل لهم الوعود؟ فقلت: «هذا رئيس جاء من صلب مؤسسة تحكم من خلف الستارة..! ولن يكون صاحب قرار، وسيحصدون ما حصدوه زمن بوش ولدورتين متتاليتين..! فاستغربت المذيعة جوابي، ولكن بعد أربع سنوات، ولدى أداء أوباما قسمه الثاني تذكّر من تابع ذلك البرنامج صحة ما توقعت.
اليوم، وفي بداية الفترة الثانية لحكم أوباما نراه تحرّر ليس من ضغوط اللوبي الصهيوني، بل من التزامه الأخلاقي ـ الإنساني، فهو في زيارته إلى الأراضي المحتلة أمكنه التعبير عن حزنه على خمسة من اليهود قتلوا في أوروبا الشرقية، لكنه ينسى مليون مدني عراقي، وضحايا مثلهم في الصومال، وأفغانستان، وباكستان، وفلسطين، وحديثاً في الشام..!
أوباما في هزيمته النفسية ـ الداخلية، وفي صغره أمام الصهاينة، يمكن له أن يبحث عن إزاحة «الخطر السوري» ومطالبة الرئيس الشرعي بالتنحّي، والتباحث في خطر النووي الإيراني، وتوصيف حزب الله، وإيجاد السبل للحفاظ على حليفه في شرق الأردن المعتبَر في قمة الإخلاص، ودعم يهودية الدولة في الأرض المغتصبة، لكنه لا يجرؤ على ذكر آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من أصحاب البطون الخاوية، ولا المشرّدين منهم عبر العالم، ولا قضم الأرض التي لم تعترف حتى دولته باحتلالها وتشييد المزيد من المستوطنات، وكثير من المواقف والآراء التي لا يطالبه بها أحد، لكنه المتبرّع الذي جاء يتمرّغ تحت حائط المبكى بقلنسوته السوداء التي لا يحتاجها، مبالغاً في التعبير عن مشاعره الدونية التي تجعل من رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم مجرّد قزم مسخ أمام من تعملق بالقوة الأميركية أساساً ويعيش على دعمها ومساعداتها، متطفلاً على الشعب الأميركي ذاته، كما على أموال بعض الأنظمة المتخلفة في عالمنا العربي وحكامه المنبطحين المدعوسين كنمر سُلخ جلده فأصبحَ مداساً للغير.
عندما أعلن البيت الأسود عن زيارة أوباما إلى منطقة المشرق العربي هلّل البعض ممّن لم تزل الغشاوة على بصيرته، واعتبر أنّ تحقيق الحلم بات قاب قوسين أو أدنى، لكن تصريحات الرئيس المهزوم داخلياً لم تدع مجالاً للشك في أنه يوقد تحت طبخة بحص لن يشارك في انتظار نضجها إلا قلة، فقد انكشف المستور وانفض الجمهور وسقطت ورقة التوت عن عورة الرئيس، وكنا ندرك النهاية منذ البداية… عظّم الله أجوركم.. وإلى رئيس جديد.. لا تنتظروا أفضل!!  

السابق
كلهم حريريون
التالي
سلام لبنان أوّله الحدود