اللواء: حرب: الإنقلاب مستمر 8 آذار ترشح الصفدي

ما اشبه اليوم بالبارحة..
نفس القوى السياسية التي اطاحت بحكومة الرئيس سعد الحريري، قبل سنتين وشهرين، عادت واسقطت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، مع الفارق طبعاً، وان اختلفت العناوين.
يوم اسقطت حكومة الرئيس الحريري في 12/1/2011 كان عنوان او حجة وزراء الثلث المعطل، في ذلك الحين المطالبة بإحالة ملف «شهود الزور الى المجلس العدلي.

اما يوم اسقاط حكومة الرئيس ميقاتي، فكانت حجة الاكثرية الوزارية رفض التمديد للواء اشرف ريفي على رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، ومعه رفض تعيين هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية.

لكن الفارق، ان الرجل شعر منذ البارحة، عندما طرح الصيغة الجديدة للتمديد للواء ريفي، من خلال استدعائه من الاحتياط، وبالتالي اعادة تعيينه، من دون اللجوء الى تشريع قانوني، بأن رفض الاكثرية الوزارية، يخفي امراً ما مدبراً للبلاد، وبالذات وضع المؤسسة الامنية امام الفراغ، وهو ما حذر منه، فاتخذ قراره بالاستقالة، بحسب ما تؤكد اوساطه لـ«اللواء، لكنه «نام على قراره، لعل الاتصالات تنفع مع هذه الاكثرية للوصول الى مخرج معها، لا سيما وان الاوضاع الامنية، وخاصة في طرابلس، تحتاج الى الرجل الذي استطاع ان يمسك بالمؤسسة الامنية في اصعب الظروف، غير ان هذه الاكثرية، لم تر في ما يحدث في طرابلس من اشتباكات بين المحاور التقليدية، سوى انها محاولة للضغط عليها من اجل القبول بالتمديد لريفي، وهو امر لم يكن وارداً في ذهن احد.

بيان الاستقالة كان حاضراً منذ الصباح، تضيف هذه الاوساط، وكان كل شيء جاهزاً، لكنه في الوقت نفسه كان مفتوحاً على اتصالات اللحظة الاخيرة، ولم يخف الرئيس ميقاتي نيته بالاستقالة عن الرئيس نبيه بري عندما زاره قبل الظهر في عين التينة، واخبره بصراحة، ان همه كان تمرير سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والاساتذة حتى لا يقول هؤلاء انه استقال هرباً من احالة السلسلة الى مجلس النواب.

ولفت نظره، الى انه عندما التقاه في روما، على هامش احتفالات تنصيب البابا الجديد فرانسيس كان بينهما حديث عن الظروف الراهنة في البلاد، وعن الانقسام السياسي الحاصل إزاء قانون الانتخاب، والخشية او الخوف، من محاولات دفع البلاد نحو الفراغ الدستوري كمقدمة لعدم اجراء هذه الانتخابات، مذكراً الرئيس بري بأنه خلص معه بالتحليل، الى ان رفض انشاء هيئة الاشراف على الانتخابات ستعني انه ليس هناك من قانون ستجري على اساسه الانتخابات، وبالتالي فإنه لن يستطيع ان يتحمل مسؤولية هذا الامر، وانه لا يرى مفر من هذه المعضلة سوى احد خيارين: اما الاستقالة او الاعتكاف.

وبحسب المعلومات، فإن الرئيس بري كان يومذاك، اي يوم كان في الفاتيكان، ميالاً الى ان الاستقالة هي الحل، ونصحه بذلك، على اساس ان الاعتكاف لن يؤدي الى نتيجة، فضلاً عن انه يضعف موقفه السياسي.

شريط هذا الحوار اعيد مجدداً امس في عين التينة، واتفق الرجلان على انه لا مفر من الاستقالة، رغم ان بري ابلغه من انه لا يمانع من التمديد لريفي، لكنه، لاعتبارات خاصة تتعلق به، يفضل ان تمر هذه المسألة في مجلس النواب، خصوصاً وأن هناك اقتراح قانون قدمه نواب من كتلة «المستقبل لتعديل السن القانونية لقادة الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، بما في ذلك قائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير المخابرات ادمون فاضل الذي سيحال أيضاً على التقاعد في نيسان، وهو الشهر نفسه الذي سيحال فيه اللواء ريفي، مشيراً إلى استعداده لطرح هذا الاقتراح في الجلسة التي سيدعو إليها قبل نهاية الشهر. لكن الرئيس ميقاتي لم يقتنع، لعلمه ان في الأمر مقايضة بين التمديد لريفي مقابل التصويت على المشروع الارثوذكسي، وقال بصراحة ان «الثمن كبير، وهو لا يستطيع أن يقبل بأنه رضي بإقرار الارثوذكسي مهما كانت الاعتبارات والأثمان، على اعتبر أن كلفته غالية جداً على الوطن، وعلى وحدته وعيشه المشترك.

مجلس الوزراء

دخل ميقاتي إلى مجلس الوزراء، وكتاب استقالته في جيبه، كانت فكرة الاستقالة قد راودته مرتين، الأولى عند استحقاق تمويل المحكمة، والثانية عند استشهاد اللواء وسام الحسن، لكن ما جرى في مجلس الوزراء من رفض لتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات والتمديد لريفي كان كفيلاً هذه المرة بتثبيت الاستقالة.

كشف ميقاتي عن هاتين الفكرتين في كتاب الاستقالة، لكنه قال انه في المرتين اقتضت مصلحة لبنان الاستمرار في تحمل المسؤولية التي تنوء على حملها الجبال. لافتاً الى ان المنطقة تنحدر نحو المجهول والحرائق الإقليمية تصيبنا بحممها والانقسامات الداخلية تترك جراحاً عميقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية تتزايد.

ولم تختلف مجريات الجلسة عمّا كان متوقعاً، واحتدمت، خصوصاً، عندما طرح الرئيس ميشال سليمان بند هيئة الاشراف على الانتخابات، طالباً من وزير الداخلية مروان شربل طرح الأسماء للتصويت، لكن وزراء 8 آذار اعترضوا قائلين انهم ليسوا معنيين بالتصويت عليه، فما كان من الرئيس سليمان إلا أن ردّ قائلاً انه من يدير الجلسة ويطرح المواضيع على التصويت، لكن الوزراء أنفسهم اصروا على انهم غير معنيين بالتصويت، وهذا ما دفع برئيس الجمهورية إلى رفع الجلسة، وإعلان انه لن يترأس اي جلسة لا تكون هيئة الاشراف على الانتخابات بنداً أوّل فيها، ثم طلب من شربل اجراء مشاورات مع رئيس الحكومة لاقتراح أسماء جديدة في أسرع وقت ممكن، مفضلاً ان يكون ذلك الأسبوع المقبل.

وروى الوزير وائل أبو فاعور الذي أذاع المعلومات الرسمية للجلسة، ان الرئيس ميقاتي استمهل رئيس الجمهورية مؤكداً التضامن معه في موقفه، طارحاً موضوع معالجة الشغور المرتقب في موقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، فما كان من وزراء الأكثرية إلا رفض هذا الأمر، عندها هم ميقاتي بالمغادرة، وكان أول المغادرين، وحتى قبل أن يغادر رئيس الجمهورية.

وكشف شربل بعد الجلسة ان الرئيس سليمان طلب تعديل أسماء الهيئة فأجابه بأنه يريد مهلة اسبوع لذلك، وان هذه المهلة كفيلة أيضاً بتطرية الأجواء، وربما العمل على ايجاد حل لموضوع التمديد لريفي، إلا ان الرئيس ميقاتي كان حاسماً في قوله: «إذن لن تكون هناك جلسات.

وأوضحت مصادر وزارية ان الوزير سليم جريصاتي اعتبر ان التعيين يحتاج إلى مشروع قانون، في حين ذكر الوزير علي قانصو بأن التعيين يجب أن يتم ضمن سلة واحدة، وان القرارات يجب أن تتخذ بشكل شمولي سائلاً: لماذا الانتقائية؟

اتصالات سبقت الاستقالة

ولدى عودته إلى منزله في فردان، تكثفت الاتصالات مع الرئيس ميقاتي، من قبل مجموعة واسعة من الأطراف الداخلية والخارجية، في محاولة منهم لثنيه عن قراره بالاستقالة، ولحق به الوزراء سمير مقبل وغازي العريضي ووائل أبو فاعور وأحمد كرامي، وكان واضحاً لدى هؤلاء جميعاً، بأن هناك خشية بأن تتحول الاستقالة إلى شرارة تشعل الوضع في طرابلس، وهذا ما حصل بالفعل، وجاء من يبلغ الرئيس ميقاتي بذلك، فكان رده ان طرابلس تبقى اقوى من الفتنة وتستطيع التغلب عليها.

وبحسب المعلومات فإن آخر محاولة جرت مع الرئيس ميقاتي، كان عند الساعة السابعة والنصف، وهو الموعد الذي حدده لاعلان كتاب الاستقالة، عندما زاره الوزير علي حسن خليل، موفداً من الرئيس بري، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، بسبب رفض «حزب الله التجاوب مع مسعى بري.ونقل عن لسان ميقاتي بعد اعلان استقالته انه مرتاح للخطوة التي اتخذها، معتبراً انه لم يكن امامه اي خيار آخر.

وليلاً استقبل ميقاتي اللواء ريفي يرافقه رئيس شعبة المعلومات العقيد عماد عثمان لشكره على موقفه، وجرى التداول في الوضع في طرابلس.

ماذا بعد الاستقالة

اما وان الاستقالة تمت، ولم يكن هناك اعتكاف ولا تعليق جلسات، فإن السؤال ماذا بعد؟

المعلومات تؤكد ان الرئيس ميقاتي سيتقدم اليوم بكتاب خطي باستقالته الى رئيس الجمهورية، بحسب الدستور، لان الاستقالة التي اعلنها من السراي سياسية، وبالتالي يجب ان تتخذ صفة رسمية، وفي هذه الحالة، فإنه يتوقع ان يكلفه رئيس الجمهورية بالاستمرار في تصريف الاعمال، الى حين تشكيل حكومة جديدة، يفترض ان تسبقها استشارات نيابية ملزمة.

الى ان المصادر المطلعة رجحت ان لا تبدأ هذه الاستشارات الا بعد عودة الرئيس سليمان من القمة العربية في الدوحة، ويحتمل أن تتأخر الاستشارات إلى ما بعد عيد الفصح، وتكون هذه الفترة للاتصالات التي يفترض أن تجري للتفاهم على المرحلة التالية، أي الحكومة شكلاً ومضموناً
.
وفي تقدير مصادر مطلعة، أن ثمة سيناريوهان لهذه المرحلة:

الأوّل: المسارعة إلى اجراء استشارات وتكليف من يحظى بالأكثرية النسبية، في حال تعذر حصول أحد المرشحين على الأكثرية المطلقة، على أن يُصار إلى تشكيل حكومة تبدأ مهامها الدستورية حتى قبل نيلها الثقة.

وفي هذا السياق، علمت «اللواء من مصادر 8 آذار انها ترشح الوزير محمّد الصفدي لرئاسة الحكومة المقبلة، في حين تميل قوى ثانية إلى ترشيح الوزير السابق عدنان القصار على رأس حكومة تكنوقراط.

والثاني: التمهل بإجراء الاستشارات والدعوة إلى طاولة الحوار، التي ألمح إليها الرئيس ميقاتي في كتاب استقالته، وذلك في محاولة لجمع قوى 8 و14 آذار في حكومة واحدة، وهذا ما يفضله رئيس الجمهورية.

والسؤال الكبير الآخر: أين ستكون كتلة جبهة النضال الوطني في هذه المرحلة، وهل ستقترب أكثر من 14 آذار؟

أوساط 8 آذار توقعت لـ?«اللواءأن لا يبتعد جنبلاط عن موقفه السابق في الاستشارات، وإن اضطر للمسايرة في بعض المواقف لبعض الوقت، فهو سيعود إلى موقفه المعروف، حرصاً على علاقته مع «حزب الله.

أما جنبلاط، فكشف أن ميقاتي طرح إمكانية قيام حكومة تكنوقراط?، آملاً أن لا تأخذ الأمور منحاً دراماتيكياً، مشيراً إلى انه أبلغ «حزب الله بأن اللعبة أكبر منه، ويجب تصويب البندقية باتجاه إسرائيل وليس مع النظام السوري.

في المقابل، أعربت مصادر في قوى 14 آذار، ولا سيما النائب بطرس حرب عن خشيتها من أن تذهب البلاد إلى الفراغ، وإلى أزمة حكومية طويلة، معتبراً ان الاستقالة بالشكل الذي تمت فيه، هي استكمال للفراغ في السلطات، وبما يُشكّل استكمالاً لعملية الانقلاب التي قام بها «حزب الله على النظام بعد الدستور.

وكشف حرب لـ«اللواء أن البطريرك الماروني بشارة الراعي أطلع القادة الموارنة الأربعة الذين التقاهم، أمس، في بكركي على عناوين عريضة للمباحثات التي أجراها في الفاتيكان مع الرئيسين برّي وميقاتي حول الانتخابات، والخلاف الحاصل حول القوانين الانتخابية، وهو لم يعرض مشروعاً متكاملاً وواضحاً، مشيراً إلى انه حصل اتفاق على أن يستكمل الراعي مشاوراته مع رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المستقيل، ولا مانع أن تتوسع هذه الاتصالات لتشمل كل الفرقاء ثم نعود إلى لقاء بكركي ليبنى على الشيء مقتضاه.

وفي هذا السياق، تعتقد مصادر مطلعة أن الاستقالة تُعزّز الاعتقاد بأن الانتخابات أصبحت في خبر كان، وأن التمديد للمجلس النيابي بات أكثر واقعية، خصوصاً وأن المجلس يستطيع أن يمدّد لنفسه باعتباره سيّد نفسه، ولا يحتاج إلى موافقة من مجلس الوزراء، الذي قد لا يتشكل في هذه المرحلة الصعبة والحساسة جداً، والتي عبّر عنها وزير الداخلية بقولة لـ?«اللواء: كنا في أزمة انتخاب، فأصبحنا أمام أزمة تأليف حكومة وانتخاب.

تجدر الإشارة إلى أن الوزير شربل سيزور طرابلس اليوم في مهمة لم يشأ الكشف عنها، وإن كان مفهوماً انها تتصل بالوضع في المدينة، حيث تجددت الاشتباكات مساء أمس، على المحاور كافة، في حين احتشد مناصرو رئيس الحكومة في المدينة وقطعوا الطرق تضامناً بعد تقديم استقالته.

وسجل «سقوط قذائف صاروخية ورشقات نارية غزيرة، إضافة إلى عمليات قنص.
وعملت عناصر الجيش بالرد بغزارة على مصادر النيران في التبانة وجبل محسن.
واحتشد «مناصرو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عند ساحة عبدالحميد كرامي في طرابلس، وقطعوا كل المنافذ المؤدية إلى المستديرة، تضامناً معه.

وكان 6 أشخاص وجندي في الجيش اللبناني قتلوا وجرح 26 آخرون الليلة الماضية جرّاء تبادل لاطلاق الرصاص واعمال قنص بين منطقتين سنية وعلوية في مدينة طرابلس  

السابق
المستقبل: حزب الله يضحّي بحكومته للتخلّص من أشرف ريفي
التالي
الأخبار: استقالة ميقاتي: قرار سعودي ـ أميركي