قبل أن يُصبح لبنان باب عمرو

ينعطف لبنان تدريجياً نحو "باب عمرو"، وسط ضجيج محلّي صداه سراب، ومردوده خراب، لا يؤخذ في الاعتبار، ولا مكان له في حسابات الكبار أصحاب الأقلام المرَوّسة التي تعرف كيف تُخطّط للحاضر والمستقبل. وعذراً من كل الرؤوس الحامية والأصوات المرتفعة، فإنّ الأولوية الآن ليست للضجيج، بل لجولة الرئيس باراك أوباما وأبعادها.

جاء أوباما تحت عنوان "إعادة ترتيب الأولويات"، هذا كان شعار حملته، وهذا ما يعمل على تحقيقه بعد إعادة انتخابه، إن على مستوى السياسة الداخليّة او الخارجيّة. إسرائيل من الأولويات، لا يزال أمنها خطّاً أحمر، لكن إذا كانت مهددة، وليست مصدر تهديد، في زمن الأزمة المالية – الاقتصاديّة العالميّة، تغيّرت الوصفات والمواصفات، ويحاول البنتاغون لملمة أطرافه، وسحب جيوشه من أفغانستان، والتخفيف من أعباء "الانتشار ما وراء البحار" لاعتبارات استراتيجيّة، وأيضا ماليّة – اقتصاديّة.

في جعبة أوباما أسئلة تنتظر أجوبة بنيامين نتنياهو وحكومته: هل آن لإسرائيل أن تستغني عن المليارات الأميركيّة التي تكلّف المواطن الأميركي المزيد من الأعباء والضرائب؟ وماذا عن النفط في المتوسط؟ هل يمكن اعتبارها دولة نفطيّة، وهل الحقول المكتشفة تجعل منها دولة متمكّنة اقتصاديّاً؟ وماذا عن العلاقات الإسرائيليّة – العربيّة في زمن الربيع القاني، ومدى الخرق الذي حَقّقته تل أبيب اقتصاديّاً، ومخابراتيّاً، وأمنيّاً، وهي المؤتمنة على حماية العديد من الأنظمة المتبقيّة؟ وماذا عن سياسة الاستيطان ومتى ستنتهي؟ لا بل متى ستقتنع إسرائيل بحدود نهائيّة، يمكن في ضوئها التعاطي مع سائر الملفات الشائكة؟ وماذا عن مشروع الدولتين، ومتى ستقتنع إسرائيل بأن تتخلى عن شروطها التعجيزيّة ومطالبها المتناسلة ليُبنى على الشيء مقتضاه؟

إنه أول رئيس أميركي لا يحمل العصا من وسطها، بل من الموقع المنسجم تماماً مع مصالح الولايات المتحدة العليا، ومن منطلق التطبيق الشفّاف لسياسة "إعادة ترتيب الأولويات". وأوّل رئيس أميركي لا يستخدم أيّاً من أدوات الضغط، جاء الى القدس المحتلة ناصحاً. فالخيارات صعبة لكنّها مُتاحة، والأولويات لا تصنعها الصدف والمفاجآت بل البحوث والدروس والأهداف.

ويبقى القرار عند أهل الرأي والمشورة، فإمّا الإقدام أو الإحجام. والدليل أنه عندما أعلن نائب الرئيس جو بايدن عن الحوار الثنائي مع إيران، كثيرون قلبوا الشفاه تذمّراً، لكنّ المصالح فوق أي اعتبار، وإذا كانت خشية إسرائيل مبررّة بوجود برنامج نووي إيراني، واحتمال حصول طهران على قنبلة نووية، فعليها أن تأخذ في الاعتبار وجود أكثر من مئتي رأس نووي ملك ترسانتها العسكريّة.

وعليها أن تسمع الأصوات التي تطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. عليها أن تفتح صدرها وسيعاً، فليس النفط وحده في المتوسط بل أسطول بوتين الذي "يَتمختَر" قبالة سواحلها!

ما قيل قبل الزيارة يَخلو من المفاجأة، ليس المتوقع "تحقيق انقلاب على المفاهيم والحسابات والتوازنات السائدة"، لا كلام عن "مبادرة، أو ضمانات لدفع مشروع الدولتين خطوات نوعيّة الى الأمام". لكن، وعلى رغم كلّ ذلك، تبقى الزيارة مهمّة لأنها تأتي في خضمّ الربيع السوري والعربي، وفي زمن التحولات في الشرق الأوسط مع عودة الروسي الى المنطقة، وعلى يمينه النفوذ التركي الطامح والطامع، والنفوذ الإيراني الهادف الى قيام الهلال الشيعي الآمن.

ماذا عن لبنان؟ يكاد أن يصبح جزءاً من اليوميات السورية، يكاد أن يصبح "باب عمرو" جديداً، أو صراخاً مسعوراً بالكيديات والانقسامات. وأسئلة لا وضوح بشأنها، ولا تطمينات قاطعة.

ماذا عن قضيّة اللاجئين وحق العودة؟ وأين منزلتها في أجندة أوباما وأولوياته؟ ماذا عن ملف النزوح، والعبء الأمني – الاقتصادي، والتغيير الديموغرافي؟ ماذا عن الانتهاكات السوريّة للسيادة اللبنانيّة؟ ماذا عن الانتشار الأصولي كجزء مؤثر وفاعل في دينامية التغيير التي يشهدها العالم العربي، وتحديداً دول الربيع العربي، ومدى تعارضه مع ثقافة الحوار والانفتاح وتقبّل الآخر؟ وأخيراً وليس آخراً، ماذا عن جديّة الضمانات التي تُطلَق عند كلّ حدث، وأمام كل استحقاق؟

في زمن ترتيب الأولويات، وسط محيط هادر بالتطورات والمستجدات، يكاد لبنان أن يغرق. مخاوف من فتنة مذهبيّة تَنقَضّ عليه من الداخل، ومخاوف من "فتنة سوريّة" تنقَضّ عليه من الخارج، وضمانات كلاميّة تُمليها لعبة المصالح. ولا بدّ من يقظة قبل فوات الأوان َتليق بتراث هذا البلد وانفتاحه وتنوّعه. وبدلاً من العمل على إعادة سوريا الى الجامعة العربية، لا بدّ من العمل على إنقاذ لبنان قبل أن يتحوّل الى مشهد مُلحق بـ"باب عمرو؟!".

السابق
القضاء الفرنسي يؤجل قرار اطلاق جورج عبدالله إلى 11 نيسان
التالي
منتخب لبنان المتجدد يُواجه نظيره التايلاندي اليوم