غَرابـة


تؤثَر عنكِ رائحة الحبِّ على اليدين والأكتاف وذيل الأسود الحزين، بعد عبارات غامضة ونظرات تُخزَّن في الصدر لسنينَ قادمة. وأغربُ من هذا كلّه، الوعرُ الواغل في روحكِ، فلا طمأنينة تُشيعينها في الأرجاء. تقلقين حتى من ملمس الماء ويحزنكِ الحديث كثيرا عن الأقربين، صديقاتكِ وشخوصُ النوم الطويل على زبدِ هذا الشعور. قلقٌ على قلق من أشياءَ وأشياءَ.

الغرابة في تتمة ما أفتتح به الكتابة عنكِ. أغلقُ ورائيَ باب هذا الكون، أعني هذه الغرفة الصغيرة الجيّدة. ثم أنـهدم. الـغرابة في تتمة ما تمهّد له الإلفةُ بينـنا. إلفة هذا الجلوس الكثير إلى مدفأة الحيوات الداخلية في جوف الجوف المتراكم. قلبُ الكلام الكسير الخافت الذي لا يكاد يسمع من فرط السّكر والحنين. إلفة المنديل والزند الراشح بالنعاس. ولا نوم. ولا يقظة. إلفة حرارة الشرايين والخدّ الغامر منذ اشتهاء العيش الأول البدائيّ.

من كتابكِ:
«كَمشْيتنا على وجع المدينةِ
في خريفٍ عاجل.
نظراتُنا تُغري السّكوتَ
بأن يخدّرَ كلَّ حيّ حولنا».
ما يُرى منكِ ولََعٌَ نابتٌ على الطريق حيث مشينا كمنسيين وسط مديـنة غائبة. الـغرابة نظرتان بلا كابح الوعي. وأحسبكِ تلوين الفكرة تلو الفكرة عن هذا الخفق المعتصم دهراً في الكلام وفي أصَص التواقيع على الصفحات ما بيننا. الغرابة، إذا، في الإطار قبل المعنى. في جدوى كلّ هذا الانتظار. الغرابة، إذا، في التفاصيل. تفاصيلكِ جوهرة الارتباط. أبدأ بالوجه ولا أنتهي. أخرج من نمطية القـول وأدعـكِ لرعش بين أصابعي في الكتابة. الغرابة توازي فتنة ما تخطّط عينايّ لوصفكِ. أبيضُ وجهكِ الغامق يعيق المزيد من الألفاظ عن التقاسيم، قبل الضحكة وبعد العبوس الطفيف من وهم آثامي. أيتها الخائفة القديرة. الغرابة، إذا، في لون البشرة لا إيحائها. الغرابة في انعكاسها الخطير على فوضى الناس المتناحرين في دائرتكِ بين المقعد الخشبيّ وبوابة بيت الربّ. أنا أعرفكِ، أشرّع لك على هواي شريعة تنقذ مَشْينا من الأقدام والأيديَ من سعينا الحثيث إلى تفاسيرَ ناجزة. المشي هنا رغبة والأيدي كتبٌ مبتورة العبارات. وعلى مبعدةٍ من كلّ شيء أنظر إليكِ بغير الوجه الذي أتيتكِ به. بلا قناع. فقط، وسوسةٌٌ لا عيب فيها سوى الندبةِ الخالدة من أثرها على الذراع ونواحٍ عميمٍ في الأذن بقية العمر. الأسئلة في هذا الحيز من العلاقة جائعة وقاتلة وفي الغالب عمياء. غير أننا لم نزل في البداية. وتقولين: أذكر هذه القصة. هذا الخوف. هذا الهَيَمان المختلف عن المحيط والجوّ. تعنين القِدَم والأسالـيبَ المعتقة في النظر واستدراج الكلمات. الغرابة إذا في متون قلبكِ حين تغشاه أشباه القصص المستعادة عن الحب والحرب، عن الحب في الحرب. وأنا بهدوء مريبٍ أخون البدايات ولا أصغي لنهاية قد تفضي بكِ إليّ من جديد.

السابق
لبنان يدخل في متاهة الأَنفاق
التالي
زيارة أوباما وأوهام السلام