من يدفع الى الحرب في لبنان؟

كادت الحرب أن تقع الأحد الماضي؟ اعتدى شيعة على سنّة. تحرك الشعور المذهبي في لبنان وخارجه. استيقط ما يسمى المارد السني لردع التنامي الشيعي الايراني. لم يصدق مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ان الحادث يمكن أن يكون افرادياً، وقد نفذته مجموعة "حشاشين".
"حشاشون" … انتشر الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق. يحكمنا "حشاشون"، يضربنا "حشاشون". يحلق لنا ذقوننا "حشاشون". هؤلاء الحشاشون ينضمون الى ما يسمى "سرايا المقاومة". إذاً الحشاشون شيعة، والمعتدى عليهم سنة يتبعون دار الفتوى. لم يكتفِ الحشاشون بالضرب، بل حلقوا لأحدهم لحيته. يا للهول. الشوارب عندنا تتعلق بالكرامة. وما زال كثيرون يحلفون بوضع اليد على الشاربين. فكيف يكون الامر عندما يتعلق بلحية رجل دين؟
لم يكتفِ الناس بالحملات عبر "فايسبوك" و"تويتر". نزلوا الى الشارع. تجمعوا أولاً قرب مستشفى المقاصد، ثم توزعوا على الشوارع والاحياء فأقفلوا الطرق بالاطارات المشتعلة، وبحاويات النفايات التي اشعلوا فيها ناراً. إنها ثورة "حشاشين" بعد ساعتين من الاحتفال بالذكرى الثامنة لـ"ثورة الأرز". ظن الحشاشون ان الشيخين كانا يشاركان في احتفال "البيال"، وجريمتهما الثانية انهما مرا في الخندق الغميق. تراهما لا يعرفان طبيعة المنطقة، وعقلية أبنائها المسيطرين على شارعها؟ "نخوة" الرجال الشيعة هناك لا تتقبل السنة، وإن أتوا من دار الفتوى التي يناصرها الشيعة اليوم نكاية بالرئيس سعد الحريري. حتى العماد ميشال عون صار يناصر المفتي قباني بعدما تباعد مع آل الحريري و"تيار المستقبل" وانقلب عليهم بدفع من الرئيس نجيب ميقاتي.
ثم تحركت عربات النقل المباشر للتلفزيونات. تلفزيونات الفتنة بامتياز. صارت تنقل كل التصاريح المباشرة من أناس في الشارع، لا عقل لهم ولا حكمة، بل مجرد غرائز متفلتة. كلام هؤلاء يصيب أمثالهم في الصميم فينصرونهم وينزلون الى شوارعهم. صارت الكاميرا تركز على الشيخ الحليق بغير ارادته. كأنها نهاية الزمن، أو كأن لحيته لن تنبت بعد اليوم. دخل اعلاميون في شوارع حكمتها الغرائز. نال بعضهم نصيبه من الضرب. وتحولت القصة لاحقاً قضية حريات. كأن هؤلاء لا يعلمون ان لا حريات ولا حقوق في زمن الحروب، وان صغيرة وقصيرة، وان "الحشاشين" لا يعترفون لهم بحرية، ولا بقدسية الرسالة، إن وجدت.
يتحمل الاعلام مسؤولية في هذا المجال. يمكنه، بل من واجبه أن ينقل الحدث لا أن يفتح هواءه مباشرة لكل عابر سبيل، ولكل متشدد، ولكل انفعالي، ولكل غرائزي، ولكل من يعاني كبتاً جنسياً يمكن أن يفجره عبارات قاسية عبر الهواء المباشر.
هل ثمة من يدفع الى الحرب في لبنان؟ بالتأكيد ثمة من يفعل ذلك في الداخل والخارج. لكن الداخل أخطر من الخارج لأنه الاداة الحقيقية للتفجير.
من هم المهتمون في الداخل؟ هما طرفا النزاع أصلا. السنة والشيعة، أو الشيعة والسنة لا فرق.
إن وجود سلاح خارج الدولة يتم الاستقواء به في كل حين، وهو سلاح يرتبط بطائفة يحرك نقمة لدى الآخرين. وهو ما فعله "حزب الله" (بالتحدي) والتهويل على الآخرين تارة، وبرفضه الاستراتيجية الدفاعية، التي تدخل سلاحه في صلب الدولة ثانياً، ثم بمناصرته النظام السوري الذي أذل اللبنانيين مدة ثلاثين عاماً، وقتل نخبة منهم.
في المقابل، تتنامى القوة السلفية التي تناصر حركات وتنظيمات كـ"القاعدة" و"جبهة النصرة" و"فتح الاسلام" وغيرها، وتبرز خطب الشيخ أحمد الأسير، وعدد من نواب الشمال، لتزيد الطين بلة من حيث تنامي التوتر المذهبي، ورفع نسبة الاحتقان.
فهل يعي القيمون على المذهبين (وعلى الاعلام) بئس ما يفعلون، ان بصمتهم وغض النظر، أو بالمضي في خطاب الشحن المذهبي، أو بالتهديد والوعيد، ودعوة الناس الى الشارع؟ هذا الشارع الممسوك جزئياً راهناً، ربما لا يكون كذلك بعد حين. لأن المجموعات الصغيرة الموجودة لأهداف محددة، ستكبر، وستجد أجهزة استخبارات خارجية تمولها وتدعمها لإشعال الحرب. عندها لن ينفع الندم!.

السابق
“إضحك من قلبك” لتأمين مضخة لمريض يحتاجها
التالي
أغنيات عيد الأم القديمة تتفوق