حلم الأمومة يستفزه العيد

لن تُطبع قبلة على جبينها اليوم، ولن تتلقّى القرنفلات الزهرية والحمراء أو تنهمك في نزع الهدايا من علبها. أحشاء السيدة العاقر الساكنة تثير الاستفهام غالباً في مجتمع يقدّس العائلة، كما الحشرية والتسلّل إلى خصوصيّات الآخرين. بعيداً عن طقس الأزهار وقوالب الحلوى لمناسبة الـ21 من آذار، ثمة من يستفزّه هذا العيد
يحلّ تاريخ 21 آذار ضيفاً ثقيل الوطأة على هبة (اسم مستعار، 35 سنة، معلّمة) منذ سنوات، ولطالما أجّج أسئلة داخليّة لديها عجزت لمدة عن الإجابة عنها. أسئلة تتكاثر في ظلّ محيط يضع المرأة التي لم تنجب في خانة الناقصة أو الغريبة، ومجتمع لا يتوقف أبناؤه عن ترداد عبارة «الله يجبر خاطرك» في حال علمه بمشكلة تعانيها السيدة في هذا الصدد، أو «أيمتى رح نشوف عريس؟» عند جهله بها.
لا تنفي هبة أنّها كانت تعتمد الهروب وسيلة لدرء سلبيّة هذه الأسئلة أو التعليقات، حتى لو لم تكن نيّة مطلقها سيئة، لكن بعد المرور بأزمات نفسيّة سيئة نتيجة الأمر، من دون إغفال زيارات الأطباء التي تعدّ بالعشرات والانتظار في العيادات والخضوع لفحوص عدة، وتناول عقاقير بالجملة، اتخذت قراراً بتقبّل وضعها، بوساطة «الإيمان الذي يجعلك تقفين على رجليك»، تقول. «بعدما حلّلت مسار حياتي، لاحظت أنّ هناك أهدافاً عدة يمكن تحقيقها في الحياة التي لا يمكن أن تتوقف عند لفظ الرحم للجنين، فأنا منتجة اقتصادياً وأؤدي دوراً رئيساً في المجتمع من خلال مهنتي، والطفل لا يمثل الرابط الوحيد بين الزوجين، وخصوصاً أنّ شريكي وأنا تفاهمنا على أن حياتنا يمكن أن تكمل من دونه»، تضيف.
«فقدان الأمل» ليست العبارة المناسبة لوصف واقع هذه السيدة، التي تمتلك حرية استثمار الوقت في نشاطات يمكن أيّ ثنائي بعيداً عن المسؤوليات أن يقوم بها وتقرّب بينه، بالتزامن مع الاستمرار في العلاج الطبي. وممّا لا شك فيه أن المدرسة التي تعمل فيها تسمح لها بممارسة «أمومة بديلة» تمثل تعويضاً أكيداً في زواج توالت الفصول فيه منذ 11 سنة.
وإذا كان نزع صفة «الناقصة» عن المرأة التي لم تنجب أمراً ليس بالسهل، ويتطلّب قراراً شجاعاً والتحلّي بصورة إيجابيّة عن الذات في منظومة اجتماعية تهوى استباق المراحل، وخصوصاً في حياة الأنثى المعلّقة على ساعة بيولوجية تسرع عقاربها في الدوران، ويبدو فيها التكاثر الهدف الأبرز من مؤسسة الزواج المباركة دينياً، فإن قرار تأجيل الإنجاب يُترجم بلغة «محرّمة» في قاموس كثيرين. فبعد سنتين من قرار طوعي بتأجيل أمر الطفل لغايات اقتصاديّة، لم تسلم ليلى (اسم مستعار، 30 سنة، صحافية) من الضغوط التي يمارسها الأهل عادةً في هذا المجال، ولا تنتهي بسائق الأجرة الذي «أعقب إجابتي السلبية عن سؤاله حول عدد الأولاد، بعبارة: عم تتحكمي؟!». تقول بانفعال: «بمجرّد أن يكون وضعك العائلي متزوجة، لا مناص من مواجهتك بـسؤال من قبيل «شو عندك ولاد؟» من قبل الغرباء، أمّا المقرّبون، فلا يكفّون عن نظام «ضرب المطرقة» فوق رأسك في هذا الصدد، إذ تُقابَلين غالباً بأمنية بـ«فرحة عريس» أينما ذهبتِ»…
أمّا اليوم، فهي تستمرّ في «التجريب» لتحقيق هذه الغاية الغالية على قلوب كثيرات من دون نتيجة إيجابيّة حتى الساعة، ولو أنّها تقرّ بأنّ أداء دور «الأم الصغيرة» لأخيها في طفولتها وتكاثر الأعباء عليها على مرّ السنوات والرغبة في تحقيق أمور عدّة و«الفوبيا» من الطبيب النسائي، كلّها عوامل تجعلها تتمنّى دفع هذه الخطوة بعيداً فترة إضافيّة. «أرى نفسي غير جاهزة بعد لوظيفة الأم، ولا تغريني فكرة إيداع خادمة الطفل الموعود كما يحصل اليوم في غالبية العائلات، أو شطب بعض المحطات من يومياتي فأنا لم أشبع بعد من حياة الليل والسفر» تقول بكلّ صراحة، إلا أنّها في المقابل تتفهّم رغبة شريكها في ممارسة دور الأب «يبلغ 40 سنة من عمره، وقد دخل مرحلة الاستقرار التي تباعد بعض الشيء بين المرء والمغامرات والأحلام».
والحفر عميقاً في النفس يجعل الجملة التالية تتسلّل إلى شهادتها: «الأزمة الكونية التي يفترضها البعض نتيجة عدم إنجابي تدفعني إلى تحقيق الأمر وتكرار زياراتي للطبيب بهدف القضاء على «النق»، ولو أنّي لست مهجوسة بحمل طفل!».
وتوضح المعالجة النفسية د. سهى بيطار أنّ «مناسة عيد الأم لا تمرّ بدون أن تتأثر من لم تنجب في خلالها، وقد تدفعها إلى التأمل في حالها والتجول في خيالها، والسؤال: هل كانت حالي ستكون أفضل مع ابن؟ وذلك عند تخطّي الحداد على الولد أو قبول الواقع. أمّا من لم تتخطّ الحداد، فتعدّ خسارتها جرحاً نرجسياً، وتشعر بفراغ داخلي وتكوّن صورة دونيّة وسلبيّة عن ذاتها». ففي مجتمع لا تتمّ صورة المرأة فيه سوى بالأمومة، تعيش المتزوجة التي لم تنجب معاناةً في هذا الصدد، لعجزها عن «زرع» إنسان آخر، ولو بصورة أقل مقارنة بالرجل الذي يعوّل كثيراً على من يحمل اسمه، كما لعدم قبولها في جمع من النساء اللواتي يتباهين بأمومتهن ويتحدثن عن أولادهن بصورة مكرّرة، ما يجعل البعض يتخذ العزلة ملاذاً، فيما يقبل البعض الآخر الأمر من خلال التعاطف مع النفس عبر التالي: «هي خسارة، لكني كاملة بدون طفل».
وتكمن وسائل التعويض، حسبها، في حضانة صغير من الأقارب ما يمكّن من الانخراط مجدّداً في الجمع، أو الاستثمار في مشروع (شركة، لوحة، كتاب…).
وتؤكد أنّه «في حال الرضى عن الذات ووجود الاهتمامات تحسّ المرأة بدورها في المجتمع، ما يجعل تأثير الضغوط المتولدة من هذه الحال أخفّ، علماً أن قلّة تقتنع بهذا الأمر». أمّا في حال عدم تقبّل الفكرة، «فيجدر بالسيدة بذل مجهود أكبر لتصل إلى غايتها بعيداً عن أداء دور الضحيّة». وتشير بيطار إلى أن «هذه المناسبة المستفزة لحال المرأة غير المنجبة قد تكون محطّة لمواجهة النفس والخروج من دائرة التعاسة عبر حلول بديلة (مراكز الإخصاب) أو التصالح مع المعاناة، فعدم الإنجاب ليس وصمة أو قدراً، ولتتذكر أنّها مسؤولة عن كلّ ما يجري في حياتها».

السابق
هل يتوقع عون 13 تشرين ثانياً؟
التالي
فرنسا تدعو جنودها باليونيفيل لتوخي الحذر