سيناريوات التهديد السوري للبنان

من المستغرب أن تتهم دمشق الحكومة اللبنانية – التي هي في الأصل محسوبة عليها وحليفة لها، ويُقاتل طرف أساسي فيها إلى جانب القوات النظامية السورية – بأنها "تغض الطرف" عن التدخّل في سوريا و"تتعامل بازدواجية واضحة مع أدوار وقوى لا تُمثل الدولة وتتولّى عمليات التهريب".
ومن الغريب أيضاً، أن تتجاهل الحكومة التهديدات السورية بنقل "نار الإرهاب" إلى لبنان والأردن، ولا تتعامل معها بجدية وصرامة.

إن التدخل في النزاع السوري من جانب قوى لبنانية، من هنا وهناك، ليس جديداً. كما أن الإنذار السوري ليس الأول من نوعه. فما هو المقصود من هذا الإتهام اليوم، وما هي سيناريوات الرد السوري؟

أولاً: أن تقتحم سوريا الحدود اللبنانية وتجتاح مناطق يُشتبه أن مسلّحين يتمركزون فيها أو يعبرونها إلى الداخل السوري ، وتحديداً في عرسال بقاعاً وعكار شمالاً، بتأييد من قوى 8 آذار و"نأي بالنفس" من الحكومة.

هذا السيناريو دونه صعوبات بالغة، أبرزها أن الجيش السوري اليوم يُعاني حرب استنزاف على أرضه، وليس في وضع يؤهّله فتح جبهات إضافية مع لبنان عسكرياً، حتى لو تذرّع بـ "حق المطاردة" الوارد في الإتفاقات الأمنية بين البلدين، والتي أصبحت في حكم الساقطة الآن، إلاّ في حال واحدة، وهي إذا كان يُخطّط لإقامة دولة علوية في المناطق الغربية للمحور الممتد من دمشق حتى حلب. وهذا إحتمال وارد ضمن ما يُخطّط لسوريا والمنطقة لتفكيكها إلى دويلات طائفية وعرقية.

ومن الممكن في هذا السيناريو، أن يُلاقي "حزب الله" القوات السورية هناك، من خلال انتشاره الحالي في قرية جبشيت الشيعية في أعالي عكار، ليُشكّل جسر امتداد من الحدود اللبنانية بقاعاً، وقرى حوض العاصي حتى القصير سورياً، ما يسمح بربطها مع الساحل السوري في اللاذقية وطرطوس حتى الحدود التركية. إلاّ أن هذا السيناريو لا يبدو مرجحاً في المرحلة القريبة المقبلة.

ثانياً: أن يقصف الطيران الحربي السوري مناطق حدودية لبنانية بحجة أن تهديدات أمنية تنطلق منها. (وهذا ما حصل أمس فعلاً). وقد سبق لقذائف سورية أن سقطت في الجانب اللبناني على الحدود، وتواصل الجيش اللبناني مراراً مع القيادة السورية لمنع تكرارها. ولكن في ضوء اللهجة العالية للتهديد السوري الأخير، فهل يمكن أن تستعمل دمشق صواريخ مدمّرة من طراز "سكود" مثلاً بهدف إرهاب اللبنانيين والضغط عليهم لوقف إمداد المعارضين السوريين بالسلاح والمجاهدين أو إيوائهم ونصرتهم؟

ثالثاً: أن تُحرّك المخابرات السورية عملاء لها في لبنان لتخريب الأمن الهش والإستقرار المترنح، فيقوموا بإغتيالات وتفجيرات ويُسرّعوا إشعال الفتنة التي لم تعد تحتاج إلى شرارات كبيرة لتندلع بفعل الإحتقان الذي بلغ أوجه.

أيّاً تكن المرامي السورية، فمن المؤكد أن التهديدات يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ، لأنها حتماً تمهّد لشيء كبير وخطير، وعلى الحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها كاملة، وأن تُسارع إلى التواصل مع القيادة السورية، متسلّحة بقرار مجلس الأمن الدولي 1559، لإستيضاح "رسالتها" على الأقل، إن لم يكن في وسعها أكثر من ذلك.

السابق
يطلبون رخص لحمل السلاح!!
التالي
مصر.. ما الذي تبقى؟