14 آذار احتفال رفع العتب

احتفل من تبقّى من قوى 14 آذار بالذكرى السنويّة الثامنة للتظاهرة الشهيرة، في قاعة مقفلة طبعاً. لا كلام جديداً في السّياسة، بل هروبٌ نحو «المجتمع المدني». الاحتفال أشبه بالكرنفال، من دون مهرّج

قد تكون أهم «انجازات» ذكرى 14 آذار هذا العام، هو استماع مفتي جبل لبنان الشيخ محمد الجوزو لمقاطع من موسيقى «heavy metal» في قاعة البيال. على وقع الغيتار الإلكتروني، دخل الجوزو مع أكثر من خمسة مرافقين، فيما تنقّل نائب إقليم الخروب محمد الحجّار وحيداً. أمّا «الانجاز» الثاني، فهو قدرة المنظّمين على إيجاد أماكن للحاضرين في الصفوف الأمامية من دون أن «يزعل» أحد. إذ لا شيء يقنع رئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض بترك المقعد المسمّى على اسمه في طرف القاعة البعيد، إلّا إذا «زبّط» كرسّياً في مقابل المسرح، وهكذا فعل.

الفولوكلور المملّ نفسه في القاعة. شعار الاحتفال: 14 آذار أكثر من ذكرى… فكرة. صورة كبيرة لتظاهرة 14 آذار الأولى، ينقصها عنوان أغنية السيدة أم كلثوم «الأطلال»، مع شاشتين كبيرتين في الوسط. لا فولارات ولا من يحملون شارات على صدورهم. على المداخل وفي الممرات رجال أمن هلعون من دون سبب، ومنظّمون شغلهم الشاغل مطاردة المصوّرين والصحافيين في القاعة. لا هَم، ثمّة من يطارد الكاميرات أيضاً، جماعة «الصف ما بعد العاشر».
دقائق قليلة قبل بدء الاحتفال. كلّ شيء اكتمل. استطاع المنظّمون تعبئة الفراغات في الصفوف التي تكشفها الكاميرات على حساب المقاعد الخلفيّة، وتعبئة المقاعد المخصصّة للقوّات اللبنانية ببعض القواتيين ومشاركين من عكّار، وفشلوا في ملء مقاعد الكتائبيين. ثمّة من جلس على كرسي النائب إيلي ماروني، وغطّى اسمه. وحده السنيورة لا يزال غائباً. الرجل امتهن الأمر، يصل متأخراً فيسرق لحظة النجوميّة. يدخل السنيورة فيعلو الصفيق والصفير في القاعة، يسلّم على ركّاب الصفّ الأول واحداً واحداً، وما أكثرهم. يحاول منسّق الأمانة العامة لـ 14 آذار الالتحاق بالسنيورة، وتحصيل ما تيسّر من مجد الصور. عبثاً يحاول، في «الكادر» رجل واحد وأمنه الشخصي يصرّ على بقائه وحده. ينسحب سعيد، هناك في الوسط ما قد يعوّض البعد عن السنيورة، النائب تمّام سلام يلتصق بالنائب جان أوغاسبيان ويريه شيئاً ما على هاتفه.
حسناً، تنجح النائبة السابقة نايلة معوّض في تمتمة المقطع الأول من النشيد الوطني اللبناني قبل أن تحلّ «الكارثة». قرّر المنظمون بثّ النشيد لـ«الآخر»، ترتبك معوّض، وتأخذ نفساً عميقاً للصور التي تنهال… على أناقة النائبة ستريدا جعجع طبعاً. النائب بطرس حرب يتصرّف بذكاءٍ أكبر، يختلس النظر إلى العدسات يمنةً ويسرةً، أو ربّما إلى محمود الحايك (المتهّم في محاولة اغتيال حرب).
وعلى شاكلة برامج المنوّعات كـ«X Factor» أو «Star Academy»، دخل المسرح 14 شاباً وشابّة من «المجتمع المدني» بحسب المعلّق الخفي. أي مجتمع مدني، لا يهمّ. يبدأ عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل علي حمادة كلمةً تعريفيّة، وأبلغ ما قاله «كنّا»، أي 14 آذار في الماضي، ثم «حملنا المكانس». وجد حمادة ضالته، «ثورة الأرز» صارت أثراً بعد عين، ومن حسن حظّه أن في سوريا حرباً، ليملأ ورقته بالتحيّات واستعارة الأمجاد على الحساب السوري.
يتابع البرنامج، الآن فيلم وثائقي قصير لا يختلف بشيء عن فيديو العام الماضي أو الأعوام الأخيرة التي سبقت. أما الجديد، فاستخدام 14 آذار لفكرة «المجتمع المدني». يبدأ الشباب بكلماتهم. يخبرنا إيلي فوّاز أول المتحدّثين بالعاميّة انه ابن المزرعة في بيروت، وأن ابنه وديع عمره ثلاث سنوات ونصف. يسأل فواز، «ماذا يمكنني أن أقول في وقت ما زال السلاح غير الشرعي»، ثمّ «كان بامكاني انتقاد 14 اذار فالانتقاد سهل»، طبعاً الانتقاد سهل. يضيف فوّاز: «لن يخيفنا شياطين التكفير»، من هم شياطين التكفير؟ لا يشرح، لكنّ المؤكّد أنها ليست «جبهة النصرة». يضيف فوّاز، «14 آذار تصل ابن التبانة بابن الأشرفيّة»، وصلتها سابقاً في «غزوة الأشرفية» الشهيرة.
ماغالي الحاج تلي فوّاز. تصرّ ابنة جبيل على استخدام العربيّة الفصحى. الشابة لديها حسّ نقدي عال، «14 اذار يلزمها تغيير، و14 اذار هي فكرة لبنان الجميل في بالنا وليست شخصيات وزعماء». «أما جماعة شكراً سوريا وبشار الأسد، فلن يغلبونا، ولن تغلبنا جماعة السلاح واللحى»، تقول ماغالي. بالفعل، 14 آذار يلزمها التغيير. يبدأ محمد حندوش كلمته بـ«السلام عليكم». لا شيء عن الدولة أو المواطنيّة على غرار شعارات «المجتمع المدني». ذكر اسم اللواء وسام الحسن يكسب الكثير من التصفيق. يختم حندوش «حكم الله غلّاب»، و«heavy metal» من جديد.
التصنّع لم يعد يصلح، الشباب توقّفوا عن النقد، وبدأوا بقول ما تقوله 14 آذار عادةً: وسام عكرا يهاجم التيّار الوطني الحرّ وحزب الله، «المطار باتت وظيفته تهريب السلاح، والمرفأ محطة حربية للممانعة»، كارول معلوف «نحن لا نخاف السلاح أو التفجيرات والاغتيالات انما نخاف على لبنان من مغامراتكم»، كريم الرفاعي «لا لسلاح الفتنة والعار والغدر وسلاح الميليشيات، وللدويلة التي صارت دولة اقوى من الدولة». أمّا جورج دروبي، فيصرّ على أن «الحرية والاستقرار لا يكونان ناجزين الا اذا تحررنا من شياطين الداخل».
ينتهي الكرنفال. المنبر الآن لسعَيْد، والكاميرات أيضاً، «يعطيهم العافية الشّباب». ينده سعيد على شخصيّات 14 آذار ورموزها لـ«يسلّموا على الشباب ويقدّموا لهم التهاني»، قبل أن يسرق السنيورة وهج سعيد مجدّداً، «كبر قلبي بهالشباب، 14 آذار مستمرّة». يتبادل «الأربتعشيّون» مع الـ«14» المصافحة. تلتقط العدسات الابتسامات والقبل. وفي الخارج، تتدلىّ لفافة تبغٍ من شفتي أحد قدامى 14 آذار، «كانوا جابوا جعجع يحكيلو كلمتين، زهّقونا».
تحت ضجيج الكرنفال، لم ينتبه أحد الى أن ممثلي حركة «اليسار الديمقراطي» انسحبوا، اعتراضاً على «تمادي المنظّمين بالشكل والمضمون في التعاطي البروتوكولي مع الحركة».

السابق
وزير الإسكان الإسرائيلي: بناء المستوطنات مستمر
التالي
دسّ معلومات