لبنان ليس أولوية واشنطن

بإمكان لبنان ألا يتطوع لاستدعاء الازمات اليه، لا بل عليه الاستفادة من عدم استمراره اولوية اميركية كي يبني وفاقه الداخلي بأقل تدخل خارجي ممكن. واذا كان هناك من يربط نفسه لبنانيا بالصراع في سوريا، فان هذه الأزمة قد تطول لكونها ازمة اقليمية اكثر من كونها دولية، وتحديدا بين السعودية وايران، فالسعوديون يعتبرون ان سوريا هي من عزز النفوذ الايراني في المنطقة في العقود الأخيرة.. ولاضعاف هذا النفوذ، يجب احداث تغيير في النظام في سوريا. والعكس صحيح، اذ ان الايرانيين يعتبرون ان الحفاظ على النظام في سوريا، يعزز نفوذ ايران الاقليمي.

يشعر زائر واشنطن في هذه الأيام بأن لبنان لم يعد اولوية اميركية، وان الادارة الاميركية تحاول التوصل الى قواسم مشتركة مع الروس في الملف السوري، لكن أكثر ما يقلق الأميركيين هو موضوع ايران وتطور العلاقة معها، «كنا نعتقد سابقا أنه من خلال النموذح اللبناني التعددي الديموقراطي، بالامكان التأثير في المعادلة المحيطة به، ولكن مع مجيء «الربيع العربي»، تغيّرت المعادلات وكل بلد عربي اصبح في داخله دينامية خاصة به، من تونس الى اليمن مرورا بمصر وسوريا، ولم تعد هناك حاجة للبنان (النموذج) للتأثير في جيرانه في المنطقة».

وتقول مصادر اميركية متخصصة لـ«السفير» ان الانقسام في الموقف داخل الادارة الاميركية «ليس حول اية سياسية يجب أن نسلكها تجاه لبنان، انما هو في التوقعات حول ما يمكن ان يحصل في لبنان في المستقبل، مع التسليم بأن هذا كله بأيدي اللبنانيين، فهناك من يعتقد ان ما يحصل في سوريا سيؤثر في المستقبل في الوضع اللبناني، ما يعنينا أن تبادر الحكومة اللبنانية الى تحصين سياسة النأي بالنفس وأن تمنع تورط أي فريق لبناني في الأزمة السورية، مثلما نكرر موقفنا الرافض الخروق السورية للسيادة اللبنانية».

ولا تبدي المصادر نفسها خشيتها الكبيرة على الوضع اللبناني، ولو انها تنظر بقلق الى التهديدات السورية الأخيرة، وتقول انه برغم كل ذلك لن يكون للازمة السورية انعكاس على لبنان بما يؤدي الى حرب اهلية جديدة يكثر التحذير منها، انما سيقتصر الامر على توتر سياسي مستمر لأن هناك توازنا للقوى داخل لبنان، وهذا التوازن يشكل حاجزا أمام امكان تحول التوتر الى حرب».
ويعبر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية عن «قلق بلاده من تداعيات الازمة السورية على دول الجوار لا سيما لبنان الذي يشكل اكثر الحالات تعقيدا»، ويقول: «نحن قلقون جدا لما يجري هناك (الحدود)، واذا كانت السفيرة في بيروت مورا كونيلي تقوم بالكثير من الزيارات فان هذا يعكس دواعي قلقنا لما يجري في لبنان وعند الحدود، نتيجة الازمة السورية، وهذا ما يفسر الحذر في الموقف الاميركي، لاننا لا نريد نقل الصــراع الى لبنان ودول الجوار. انه تحدّ كبير لنا ولكل دول الجوار وخاصة لبنان».

ويلفت المسؤول نفسه الانتباه الى ان «الجنوب اللبناني سيكون دائما في دائرة التوتر، ما دام «حزب الله» يطرح شعار تدمير «دولة» اسرائيل، وفي ظل هذه الدينامية، نحن لا نريد ان تكون هناك جولة جديدة من الصراع»، ويعرب المصدر نفسه عن اعتقاده أن واشنطن يمكنها ان تلعب دورا مفيدا، «فنحن لدينا الكثير من القدرة والنفوذ، لكن ليس بامكاننا ان نقوم بكل شيء بمفردنا، وعلى الاطراف جميعها أن تتحمل المسؤولية للمساعدة في انهاء هذا الصراع».

واذ يتجنب المسؤول الاميركي التعليق سلبا او ايجابا على الموقف من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يشرح مصدر مقرب من الدوائر الحكومية الاميركية الموقف التقليدي الاميركي بالقول ان ما قامت به هذه الحكومة منذ تشكيلها حتى الآن، شكل استمرارا لعمل الحكومات السابقة، خاصة في التعامل مع القرارات الدولية وتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ويضيف: «عندما يكون هناك استحقاق انتخابي، فمهما كان الوضع، فما يعنينا هو التأكيد على اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، وهذا من ثوابت السياسة الخارجية الاميركية».

وحول المساعدات العسكرية الاميركية للبنان، يؤكد ناطق مأذون له بالحديث «ان هذا الامر يخضع لآلية محددة، ما يعني الحاجة الى الوقت لا سيما ان الكونغرس هو الذي يتحكم بعملية المساعدات العسكرية، الا انه دائما يسرّع المساعدات للبنان كما ان الارقام تتغير في بعض الاحيان في السنة ذاتها، فلبنان وتركيا يحاولان الحصول على كميات اكبر من الأسلحة والذخائر، بسبب ما يحصل في سوريا، وعملية المساعدة دائمة ومستمرة».

وفي موضوع النفط والغاز في لبنان، تشير مصادر اميركية الى انه «على اللبنانيين خلق عوامل الاستقرار والابتعاد عن الازمة السورية ومن ثم الانصراف الى استثمار الثروة الغازية والنفطية وتحقيق الازدهار لتأمين منظومة سياسية اكثر استقرارا في لبنان»، وتحذر من ان احتمال ان تؤدي الثروة المستخرجة من الغاز والنفط الى زيادة ثروات النافذين على حساب التنمية والازدهار سيزيد من حجم مشاكل لبنان بدلا من ان يذللها»، وتستدرك بالقول ان اللبنانيين كانوا مبدعين في الماضي ويجب ان يبدعوا الآن ومستقبلا، من أجل استخدام هذه الفرصة بطريقة بنّاءة، لا ان يؤدي ذلك الى تعميق الهوّة داخل المجتمع اللبناني من خلال اثراء طوائف او مناطق على حساب أخرى، فهذا الأمر لا يساعد على تعزيز الاستقرار».

وتخلص المصادر من حيث بدأت مصادر أميركية أخرى بالقول ان لبنان «لم يعد نقطة الارتكاز في الشرق الاوسط. نعم هناك نظرة جدية الى لبنان، لكن هناك عملاقا نائما حاليا اسمه مصر التي بامكانها ان تغير بشكل جذري وعميق الارتباط من ناحية علاقة الاقليم بها ووعلاقتها بالآخرين في الاقليم وحوله».
وتشير المصادر الى أن الولايات المتحدة بشكل عام، لم تكن في السنتين الماضيتين مندفعة في سياساتها، على الصعيد العربي، «بالحد الكافي والضروري، لا بل هي كانت مستجيبة اكثر منها مبادرة في العديد من التطورات العربية».

عندما يتحدث المسؤولون الأميركيون عن «حزب الله»، لا يخفون مواقفهم السلبية تجاه الحزب، وهم بطبيعة الحال، لا يتمنون وجوده لا في هذه الحكومة ولا في أية حكومة أخرى، غير أنهم يركزون جهودهم في هذه المرحلة على الأوروبيين، وخاصة على خلفية حادثة بورغاس في بلغاريا في تموز الماضي.

 

يأمل الأميركيون «أن تجفّ موارد «حزب الله»، مع إدراجه على «لائحة المنظمات الإرهابية» في الاتحاد الأوروبي. برغم ذلك، لم تحقق واشنطن تقدماً في هذا الاتجاه، «فآخر ما يحتاج اليه الأوروبيون في لبنان، الواقف اليوم على «حدّ السكين» (حافة الانفجار) نتيجة الأحداث في سوريا، هو قطع القنوات مع حزب الله»، تقول المصادر الأميركية.

السابق
هيفا تختفي وتشغل معجبيها
التالي
قنبلة في عين الحلوة ولا إصابات